ما هي "الأم الصالحة بما فيه الكفاية"؟ - "good enough mother" - د. محمود صبحي سعيد


ما هي "الأم الصالحة بما فيه الكفاية"؟

"good enough mother"

 

إن الأمومة الصالحة تتضمن أكثر من مجرد التفاني. بل لهذا الدور متطلبات وصفات يجب على الأم عملها والتحلي بها. لقد صاغ عبارة "الأم الصالحة بما فيه الكفاية" طبيب الأطفال والمحلل النفسي البريطاني د. و. وينيكوت في كتابه الشهير "اللعب والواقع- Play and reality ".

وفي عرضه لمعنى الأم الصالحة، فقد بينه بمدى تكيُّف هذه الأم مع احتياجات الوليد الجديد-الطفل، واعتقد وينيكوت أن "الأم الصالحة بما فيه الكفاية" تبدأ بتكيف شبه كامل مع احتياجات طفلها. فهي مُكرَّسة تمامًا للطفل وتهتم بسرعة بكل احتياجاته، الجسمية والنفسية. فهي تضحي بنومها واحتياجاتها الخاصة بها، لتلبية احتياجات طفلها. ولكن مع مرور الوقت، تسمح الأم للطفل بتجربة قدر ضئيل من الإحباط. فهي متعاطفة ومهتمة ولكنها لا تسارع على الفور إلى كل صرخة من صرخات الطفل. بالطبع، في البداية يجب أن يكون الحد الزمني لهذا الإحباط قصيرًا جدًا. قد تسمح للطفل بالبكاء لبضع دقائق قبل رضاعتها الليلية، ولكن لبضع دقائق فقط. إنها ليست "مثالية" ولكنها "جيدة بما فيه الكفاية" بحيث لا يشعر الطفل إلا بقدر طفيف من الإحباط.


من الوهم إلى الواقع

الشيء المثير للاهتمام في فكرة وينيكوت عن الأم الجيدة بما فيه الكفاية هو أنه يربط بين عملية الأمومة والتطور المعرفي للطفل وتطور المفهوم الصحي للعالم وللواقع الخارجي عند الطفل. يختبر الطفل الأم في البداية، كجزء من نفسه. ويحب الطفل أمه ويختبرها ليس كشخص منفصل عنه، بل كجزء من نفسه. ومع مرور الوقت، فإن اللحظات البعيدة عن التناغم التام للأم مع احتياجات طفلها، تشعل شرارة النشاط العقلي للطفل وإحساسه بالعالم الخارجي. عند الإحباط يبدأ الطفل بتجربة الحقيقة والموجود وغير الموجود والوحدة الكاملة والوحدات المنفصلة، على الرغم من أن هذه الفترة الزمنية لابد أن تكون قصيرة جدًا في البداية وتزداد مع الوقت.

 

إذا استمر تكيف الأم الكامل مع احتياجات الطفل لفترة طويلة جدًا، ولم يتضاءل بشكل طبيعي، فإن إحساس الطفل المتنامي بعالم خارجي حقيقي منفصل عنه ينقطع. يظل الطفل في عالم سحري من الوهم والهلوسة-Illusion and Hallucination. أي أنه يعتقد أن مجرد وجود حاجة سيؤدي إلى تحقيقها الفوري. يقول وينيكوت إن هذا وهم وإن كان وهماً فهو ضروري في البداية. ورغم إصرار وينيكوت على أن الطفل إذا لم يشعر بقدر ضئيل من الإحباط فلن يشكل مفهوماً للواقع الخارجي، فإنه يؤكد أن المرحلة المبكرة من الأمومة ضرورية بالقدر نفسه لنمو الطفل الصحي. والقدرة على تكوين الوهم شرط أساسي وضروري لتنمية الشعور بالواقع. ففي البداية، يجب أن يكون تكيف الأم دقيقاً تقريباً، وما لم يكن الأمر كذلك، فمن غير الممكن أن يبدأ الرضيع في تطوير القدرة على تجربة علاقة بالواقع الخارجي، أو حتى تكوين مفهوم للواقع الخارجي.

لذا فإن دور الأم "أماً جيدة بما فيه الكفاية" أمر معقد لحد ما. فهو يتضمن عمل موازنة بين عمليتين مهمتين بالقدر نفسه لنمو الطفل الصحي والمعرفي وحتى سعادته المستقبلية:

1)     يجب على الأم إشباع حاجات الطفل ورعايته بإخلاص بمستوى الاشباع.

2)     يجب على الأم أن تسمح للطفل بالتدرج بتجربة الحاجة بعيدًا عن إشباعها الفوري.

باختصار، مع وجود قدر كافٍ من الأمومة الجيدة، يصبح الطفل قادرًا على العيش في عالمين: عالم الوهم والخيال والسحر والذي يعطي الطفل ما يريده بالضبط وأفضل بسرعة فائقة، من ناحية، وعالم لا يتوافق دائمًا مع رغباته، وفيه إحباط ونقص وألم من ناحية أخرى.

 

تلخيص واعداد

د. محمود صبحي سعيد

متخصص بعلم النفس العيادي والتربوي والصدمي

موقع الجليل للخدمات النفسية

 

الرابط: منسق للطباعة

https://algaleel.com/pics/250430144009.pdf