علم نفس الصدمة -
علم الصدمات النفسية -
محمود سعيد
Psychotraumatology
علم الصدمات النفسية هو
فرع من علم نفس الطوارئ الذي يبحث في المواقف المؤلمة وردود أفعال الناس تجاهها
ويتم إجراؤه على المستوى التشغيلي في علاج الصدمات النفسية والوقاية منها. لذلك يركز على دراسة الصدمات، أي على المواقف التي تتبلور فيها
ردود الفعل على حدث حاد وربما مؤلم، وتتشكل في أعراض نفسية مهمة سريريًا، والتي
يمكن تحديدها على أنها اضطراب وضغط نفسي مرتبط بالصدمة والوقاية منها ((DSM5. من المهم التأكيد على أن
معظم الناس عندما يتعرضون لأحداث مؤلمة محتملة، لديهم ردود أفعال عاطفية عابرة
نادرًا ما تتحول إلى اضطراب منظم حقيقي.
للصدمة تعريفات عديدة،
منها باختصار أنها تمزق مفاجئ وعنيف وغير متوقع للسلامة أو للصحة النفسية، وأنها
قادرة على التسبب في تغيير دائم في قدرة الشخص على التكيّف.
أظهرت الأبحاث أن
متابعة حدث مرهق لدى بعض الأشخاص يحدث انقطاعًا في الطريقة الطبيعية للدماغ في
معالجة المعلومات. أي عمل الدماغ يصبح مغايرا للمعتاد عليه. ويحدث هذا لأن التأثير
الضاغط للحدث يكون ساحقًا مقارنة بالإمكانيات المتاحة للفرد في تلك اللحظة
لمعالجته ودمج التجربة في نظام متماسك للمعنى. في الواقع، تعد العواطف شديدة
الحدة، وفقدان السيطرة، والعجز، جوانب مهمة في الصدمة النفسية.
إن الاستجابات التي
يقدمها الأفراد أثناء الحدث المجهد، مثل الانفصال المحيط بالصدمة، لها فائدة فورية
لأنها تسمح لهم بتحمل أو تجنب العبء المعرفي أو العاطفي للموقف، ولكن عندما تستمر
هذه السلوكيات الانفصالية أو التجنّبية، فإنها تصبح مختلة وظيفيا. اذًا، يمكن ربط أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بتلك الاستجابة
الأولى، والتي يتم تكرارها بعد ذلك لتجنب تذكر الصدمة أو إعادة معايشتها، وتفعيل
سلسلة من الآليات للحفاظ على الاضطراب والتي لا تسمح للشخص بمعالجة الألم الذي حدث
أبدًا، ولكن قد تم تفصيلها ودمجها في تجربة الفرد.
وبالتالي فإن انقطاع
الطريقة الطبيعية لمعالجة المعلومات من قبل الدماغ، يحدد الفشل في إنشاء ذاكرة
متماسكة للتجربة، حيث تفشل جميع جوانب الذاكرة والفكر والأحاسيس الجسمية والعاطفية
التي حدثت أثناء الحدث الصادم في التكامل مع التجارب الأخرى. فتظهر الحالة المرضية
في هذه الحالات بسبب خلل في تخزين المعلومات المتعلقة بالحدث الصادم، مع ما يترتب
على ذلك من اضطراب في التوازن الاستثاري/المثبط اللازم لمعالجة المعلومات. وهذا يؤدي
إلى "تجميد" المعلومات في شكلها الأصلي المثير للقلق، أي بنفس الطريقة
التي تم بها تجربة الحدث؛ ولا يمكن معالجة المعلومات المجمدة والمغلقة في الشبكات
العصبية، وبالتالي تستمر في التسبب في أمراض مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاضطرابات
النفسية الأخرى. وفي الواقع، فإن المعلومات التي لم يتم دمجها بشكل صحيح تظل
موجودة في شبكة منفصلة، ويمكن في أي وقت أن يتم تنشيطها بشكل غير صحيح بواسطة
عناصر البيئة الخارجية أو الداخلية للفرد، مما يسبب ردود أفعال ومشاعر ذات شدة غير
متناسبة مقارنة بطبيعة الحدث الحالي.
الصدمات النفسية والاستجابة
الانفصالية للصدمات
من المعروف أن الصدمة
تنشط آليات الدفاع القديمة من التهديدات البيئية (في البداية الجمود المنشط- Activated inertia أو التجميد- freezing ثم الجمود التخشبي- catatonic immobility بعد ردود أفعال القتال- fight والهروب- flight (الطيران) مما يؤدي إلى الانفصال عن التجربة المعتادة للنفس
والعالم الخارجي وما يترتب على ذلك من أعراض انفصالية- dissociative symptoms. يبدو أن هذا الانفصال يعني تعليقًا فوريًا للوظائف التأملية- reflective وما وراء المعرفية- metacognitive العادية؛ وبالتالي يحدث تفكك
في ذاكرة الحدث الصادم فيما يتعلق بالتدفق المستمر للوعي الذاتي وبناء المعاني. من
هذه التجربة يشتق التعدد غير المتكامل لحالات الأنا التي تميز التفكك المرضي.
تم إدخال اضطراب
الإجهاد الحاد
(ASD) في DMS
IV لإلقاء الضوء
على حالة المعاناة الشديدة التي حدثت أثناء تجربة مؤلمة، والتي يمكن أن تؤدي
لاحقًا إلى اضطراب ما بعد الصدمة
(PTSD).
ويتم تعريفه في DSM 5 وفقًا لبعض المعايير
الخاصة، والتي نذكر منها:
التعرض لحالة تشكل
تهديدًا قويًا للحياة أو السلامة الجسدية (وهذا يشمل أيضًا البعد الجنسي)، سواء
بالنسبة للنفس أو للآخرين.
احتمالية ظهور أفكار أو
انفصالات متطفلة.
عدم القدرة على تجربة
المشاعر الإيجابية.
أعراض التجنب معرفيًا
وسلوكيًا.
التهيج، وصعوبة
التركيز، أو فرط اليقظة.
يتطور اضطراب ما بعد
الصدمة
(PTSD) بعد تعرض الشخص لحدث صادم شهد فيه الشخص أو واجه حدثًا أو أحداثًا تنطوي على الموت، أو
التهديد بالقتل، أو الإصابة الخطيرة. فالسلامة الجسدية للنفس أو للآخرين تتضمن
استجابة الشخص خوفًا شديدًا ومشاعر العجز أو الرعب كما ورد في الدليل التشخيصي
والإحصائي للاضطرابات العقلية
(DSM 5)، يتم إحياء الحدث المؤلم بشكل متكرر بطرق مختلفة، ويقوم الشخص
بتنفيذ تجنب مستمر للمنبهات المرتبطة بالصدمة. هناك أيضًا تغيرات سلبية في المزاج
أو الإدراك، وضعف في التفاعل العام، بالإضافة إلى أعراض زيادة الإثارة. اقترح شاليف (2001) أن تعقيد الاضطراب يمكن فهمه بشكل أفضل على
أنه وجود مشترك لآليات مختلفة، مثل تغيير العمليات العصبية الحيوية، واكتساب
استجابات الخوف المشروطة للمحفزات المرتبطة بالصدمة، وأنماط التعلم المعرفية
والاجتماعية.
يشير مفهوم الصدمة
المعقدة بدلاً من ذلك إلى التجارب المؤلمة التراكمية التي من المتوقع أن تتكرر على
مدى فترات طويلة من الزمن ولكن من المستحيل الهروب منها. ومن الأمثلة الواضحة على
ذلك الصدمات داخل الأسرة التي يتعرض لها الطفل الذي يعيش في أسرة تعاني من سوء
المعاملة أو الإهمال. حاول تشخيص "اضطراب ما بعد الصدمة المعقد “(PTSD-C)، الذي اقترحه هيرمان في عام
1992، سد الفجوة بين تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة، الذي يصف بشكل مناسب عواقب
الأحداث المؤلمة الفردية وأعراض الصدمة، وبين الصدمات الشخصية المتكررة وطويلة
الأمد، والتي تنطوي، خاصة إذا كانت مبكرة، على خلل التنظيم العاطفي والجسمي
والتفكك.
تشخيص اضطراب ما بعد
الصدمة المعقد غير معترف به حاليًا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات
العقلية
(DSM 5)، ولكنه يقع في قلب نقاش علمي وثقافي مما يجعل تعريفه لا يزال
مثيرًا للجدل حتى اليوم. لسنوات، كانت الأدبيات العلمية تبحث في الآثار طويلة
المدى للإساءة وسوء المعاملة والإهمال في مرحلة الطفولة على الصحة العقلية للبالغين
وتنظيم الشخصية
وتجارب الطفولة
الضارة - دراسات.
Adverse Childhood Experiences – ACE Studies-وتتم المحاولة أيضًا
لتمييزه، من خلال الأعراض، عن اضطراب ما بعد الصدمة، والذي يرتبط بالتعرض لحدث
واحد يهدد الحياة. من ناحية أخرى، فإن الصدمة المزمنة لها أعراض أكثر انتشارًا
وإعاقة، وترتبط بالتعرض للعديد من الأحداث الصادمة في مرحلة الطفولة أو طوال حياة
البالغين؛ وفي هذه الحالة الثانية تتحدث التجارب العيادية عن
"الصدمة التراكمية".
هذا النوع من التجارب
المؤلمة، والذي يمكن أن يؤدي إلى اضطراب الصدمة التراكمية، يتعلق بشكل رئيسي
بالصدمات الشخصية مثل الاعتداء الجسدي و/أو الجنسي، والإساءة العاطفية والإهمال،
والعنف المشهود والانفصال المبكر، والهجر أو تدهور العلاقة الأساسية (بسبب المرض
أو المخدرات أو السجن) لمقدم الرعاية.
لكن ما يهمنا هنا هو
أنّ الصدمة المزمنة تنجم كذلك أيضًا عن تجارب التعذيب أو الحرب أو السجن أو الهجرة
القسرية وبشكل عام جميع الظروف التي تظل فيها حالة التهديد للحياة أو حياة الأسرة
قائمة لفترة طويلة، مما يمنع الفرد من أي شكل من أشكال الحماية أو الدفاع عن نفسه.
تعتبر النتائج المرضية النفسية لهذا النوع من التجارب السلبية أكثر تعقيدًا
وانتشارًا وتشمل جزئيًا فقط أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وهو التشخيص الوحيد
المعترف به رسميًا حاليًا.
bibliography
Holmes, E. A., Brown, R. J., Mansell, W.,
Fearon, R. P., Hunter, E. C., Frasquilho, F., & Oakley, D. A. (2005). Are
there two qualitatively distinct forms of dissociation? A review and some
clinical implications. Clinical psychology review, 25(1),
1-23.
د. محمود صبحي سعيد
متخصص بعلم النفس التربوي والعلاجي والصدمي
https://algaleel.com/pics/250611075915.pdf