علم نفس الطوارئ - علم النفس في حالات الطوارئ
Emergency Psychology
يقدم علم نفس الطوارئ تدخلات ودعمًا مستهدفًا لمساعدة الأشخاص على التغلب على التحديات النفسية في حالات الطوارئ الحقيقية.
نتعرض في الحياة
باستمرار لمجموعة متنوعة من المواقف التي يمكن أن تؤدي إلى حالات طوارئ وأزمات،
بدءًا من الكوارث الطبيعية المدمرة وحتى الحوادث الخطيرة أو الأحداث المؤلمة غير
المتوقعة. هذه الأحداث، بالإضافة إلى الضغط والإجهاد على أجسادنا، يمكن أن يكون
لها تأثير عميق على نفسيتنا واستقرارنا العاطفي. في هذه الظروف الصعبة يتدخل علم
النفس في حالات الطوارئ. من خلال التحليل الدقيق لردود الفعل البشرية في حالات
الأزمات وتطبيق المبادئ النفسية الأساسية، فيهدف علم نفس الطوارئ إلى فهم ومعالجة
التحديات النفسية التي تظهر في اللحظات الحرجة، وتقديم الدعم الأساسي للمرونة
الفردية والمجتمعية. نريد هنا ان نستكشف المبادئ والدور الحاسم لعلم نفس الطوارئ
وكيف يمكن أن يساعد في التخفيف من التأثير النفسي للمواقف الحرجة الخارجة عن
المألوف.
علم نفس الطوارئ هو
مجال الدراسة والممارسة النفسية المخصصة للتحليل والتدخل في حالات الطوارئ
والكوارث. يمكن أن تشمل هذه المواقف الكوارث الطبيعية والكوارث التكنولوجية
والأزمات الصحية والأزمات الاجتماعية والحوادث الكبرى وأعمال العنف والصراعات
والمزيد.
يهدف هذا المجال إلى
فهم ومعالجة التأثير النفسي لحالات الطوارئ، وتقديم الدعم والتدخلات للمتضررين
والمساهمة في التنبؤ بالمخاطر وحالات الطوارئ والوقاية منها وإدارتها. يتم توفير
التدخلات النفسية على مستويات مختلفة: الفرد والأسرة والمجتمع، وكذلك تجاه رجال
الإنقاذ أنفسهم، المتأثرين أو المشاركين في مثل هذه الأحداث. وفي هذا السياق، يعد
التعاون مع المهنيين من مختلف القطاعات، مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية
والنفسية والمستجيبين الأوائل والمعلمين والسلطات المحلية، أمرًا ضروريًا. يتعاون
ويتشارك الاختصاصيون النفسيون في حالات الطوارئ أيضًا مع فرق الإنقاذ والطواقم
المهنية المختلفة، لتقديم الدعم النفسي للقاصرين في مراكز الاستقبال والإيواء،
بهدف خلق بيئة حاضنة وترحيبية ومطمئنة. في الواقع، تنطبق مبادئ علم نفس الطوارئ
أيضًا على مجال المساعدة الإنسانية والتعاون الدولي عند الكوارث، حيث يستخدم
الاختصاصيون النفسيون معرفتهم وتقنياتهم للاستجابة للاحتياجات النفسية.
يعتمد علم نفس الطوارئ
على مختلف التخصصات ومجالات البحث، بما في ذلك علم النفس السريري، وعلم نفس الصحة،
وعلم نفس الصدمات، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم النفس العصبي، والطب. من المهم أن
نلاحظ أن علم نفس الطوارئ يختلف عن علم النفس العيادي التقليدي من حيث إنه يركز
على الحالات شديدة التوتر وغير العلاجية. في حين أن علم النفس السريري يتعامل بشكل
أساسي مع التشخيص والعلاج طويل الأمد، فإن علم نفس الطوارئ موجه نحو التدخل الفوري
وإدارة ردود الفعل الانفعالية-العاطفية الشديدة التي يمكن أن تظهر في المواقف
الصعبة. وبهذا المعنى، يصبح النهج النفسي أساسيًا لأنه يساعد الناس على فهم
عواطفهم وردود أفعالهم وقبولها وإدارتها بشكل أفضل، مما يسهل الاستجابة المناسبة
والأكثر مرونة وقدرة على التكيّف مع حالات الطوارئ المختلفة. إذًا الهدف الأساسي من تدخل الاختصاصيين النفسيين في حالات
الطوارئ، هو معالجة الاحتياجات النفسية المباشرة للأشخاص في حالات الأزمات.
المبادئ الأساسية لعلم
نفس الطوارئ
يعتمد علم نفس الطوارئ
على بعض المبادئ النفسية التي تتدخل في المواقف شديدة التوتر والصعوبة التي تعيق
الروتين اليومي وقدرتنا على التعامل معها. وأهمها: التفاعل العاطفي، واستراتيجيات
التوتر والتكيّف، والتواصل الفعّال، والدعم الاجتماعي والمرونة النفسية.
·
التفاعل العاطفي
عندما يواجه الناس حالة
طارئة، يمكن أن تختلف ردود أفعالهم العاطفية بشكل كبير. قد يعاني البعض من خوف
عميق، وقد يشعر آخرون بالإرهاق من القلق، في حين قد يتفاعل آخرون بطرق فريدة. يعد
هذا التنوع في ردود الفعل العاطفية أمرًا طبيعيًا، ويتعامل علم نفس الطوارئ مع فهم
واحترام هذا الاختلاف الفردي، واعتماد نهج حساس وشخصي في تقديم الدعم.
·
التوتر والتكيّف
تولد حالات الطوارئ
ضغوطًا كبيرة، وإن فهم كيفية التعامل مع هذا الضغط أمر بالغ الأهمية لتحقيق القدرة
على الصمود. يستخدم الناس استراتيجيات التكيّف المختلفة للتعامل مع التوتر، مثل
البحث عن الدعم الاجتماعي، أو ممارسة الرياضة، أو التأمل. يركز علم نفس الطوارئ
على تحديد استراتيجيات التكيف الأكثر ملاءمة وتعزيز مهارات إدارة التوتر لمساعدة
الأشخاص على التغلب في مثل هذه التحديات.
·
التواصل الفعّال
أثناء حالات الطوارئ،
يعد التواصل الواضح والدقيق أمرًا ضروريًا لتنسيق الموارد والحفاظ على الهدوء
وتقديم التعليمات الحيوية. الاستخدام الفعال للتواصل يمكن أن ينقذ الأرواح ويقلل
من الذعر. على سبيل المثال، في عمليات الإغاثة التي تعقب الكوارث الطبيعية، يمكن
للتواصل الدقيق وفي الوقت المناسب أن يطمئن الناس ويوجههم للسلوك المناسب والآمن.
·
دعم اجتماعي
الدعم الاجتماعي هو
ركيزة أخرى لعلم النفس في حالات الطوارئ. خلال أوقات الأزمات، ويلعب دعم الأسرة
والأتراب والأصدقاء والمجتمع دورًا حاسمًا في تخفيف التأثير النفسي. يمكن لشبكات
الدعم أن توفر الراحة العاطفية والعملية، مما يقلل من مشاعر العزلة والضعف.
·
عوامل المرونة
تشير المرونة النفسية
إلى القدرة على التكيف مع الظروف المعاكسة adverse circumstances والتغلب على الصعوبات. يتضمن هذا المبدأ
تحديد الخصائص والموارد الشخصية التي تساهم في مرونة الفرد والمجتمع. فكم يستطيع التحمل والتفهم والقبول والرضى والسلوك المتوافق مع
الظروف القاسية، والخروج من الطارئ مع أقل ضرر ممكن وقد تعلم واكتسب أساليب جديدة
للتعامل مع الأزمات.
التقييم النفسي في علم
نفس الطوارئ
في علم نفس الطوارئ،
تلعب تقنيات التقييم دورًا حاسمًا في فهم الاحتياجات النفسية للأفراد المتأثرين
بحالات الطوارئ أو الأزمات. أدوات
التقييم التي يستخدمها الاختصاصيون النفسيون في حالات الطوارئ، عبارة عن مقابلات
سريرية لجمع معلومات عن تجارب وردود أفعال الأشخاص المتضررين؛ استبيانات موحدة
ومقاييس تصنيف لقياس مستوى التوتر والقلق والاكتئاب والأعراض النفسية الأخرى.
الملاحظة المباشرة لسلوك المتضررين في حالات الطوارئ للتعرف على علامات الضيق أو
الخلل الوظيفي. تقييم الموارد الشخصية والاجتماعية للفرد، مثل دعم الأسرة
والمجتمع، ومهارات التأقلم والمرونة. كما يستخدمون مقابلات مع موظفي الإنقاذ،
الذين يتعاونون معهم بشكل وثيق للحصول على معلومات حول الظروف والاحتياجات النفسية
للضحايا. علاوة على ذلك، يجب أن يكونوا قادرين على تقييم تأثير الثقافة على ردود
أفعال الأفراد واحتياجاتهم.
الهدف الرئيسي من
تقنيات التقييم هذه هو تحديد الاحتياجات النفسية للأشخاص المتضررين بحيث يمكن
تقديم الدعم المستهدف والكافي. يتيح ذلك لمتخصصي علم نفس الطوارئ المساهمة بشكل
كبير في تعافي ومرونة الأشخاص المشاركين في المواقف الحرجة.
التدخل في علم النفس في
حالات الطوارئ
يتبنى علم نفس الطوارئ
سلسلة من التدخلات النفسية في حالات الطوارئ. وتشمل هذه التدخلات الدعم النفسي
الفوري، وإدارة الإجهاد، وتعزيز المرونة، وغيرها. قبل تقديم تدخلات محددة، يقوم العاملون في حالات الطوارئ بتقييم
الاحتياجات النفسية الفردية من خلال المقابلات والاستبيانات. يتيح لك ذلك تخصيص
المساعدة بناءً على احتياجات كل فرد. يركز الدعم
النفسي الفوري على الاستماع الفعّال وتقديم الدعم العاطفي الفوري للمتضررين. يوفر
العاملون في علم النفس في حالات الطوارئ بيئة آمنة للتعبير عن المشاعر والتحقق من
صحة ردود الفعل وتوفير الراحة. غالبًا ما
يعاني الأشخاص المشاركون في حالات الطوارئ من مستويات عالية من التوتر. تشمل
تدخلات إدارة التوتر تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق واليقظة الذهنية وغيرها من
الاستراتيجيات لمساعدة الأشخاص على تقليل مستويات التوتر والقلق. إن تثقيف الأشخاص حول ردود أفعالهم العاطفية وأعراض الإجهاد
اللاحق للصدمة من خلال تدخلات التثقيف النفسي يزودهم بمعلومات حول الاستجابات
الشائعة لحالات الطوارئ وكيفية التعامل معها بطريقة صحية.
الدعم الاجتماعي أمر
بالغ الأهمية في التعافي من حالات الطوارئ. يساعد الاختصاصيون النفسيون الأشخاص
على تحديد واستخدام شبكات الدعم الخاصة بهم، سواء من الأسرة أو المجتمع. وقد يشمل
ذلك تسهيل مجموعات الدعم. تعمل
التدخلات القائمة على القدرة على الصمود على تعزيز مرونة الأفراد والمجتمعات. يعمل
الاختصاصيون النفسيون مع الأشخاص لمساعدتهم على تطوير مهارات التأقلم واستراتيجيات
التكيف التي تعزز التعافي ومقاومة التحديات المستقبلية.
بعض التدخلات موجهة نحو
الوقاية، وتهدف إلى تقليل مخاطر حدوث مشاكل نفسية في المستقبل. وقد يشمل ذلك
التدريب على مهارات التأقلم وتعزيز المرونة والتثقيف حول إدارة الإجهاد. وفي جميع هذه الحالات، يكون الهدف هو التخفيف من الأثر النفسي
للأزمات، وتعزيز التعافي، وتعزيز السلامة العاطفية والعقلية للأشخاص المعنيين.
يعتمد اختيار التدخلات على الاحتياجات الفردية وشدة الحالة، ويتم إجراؤه بواسطة
متخصصين خبراء في علم نفس الطوارئ.
يشغل علم النفس في
حالات الطوارئ دورًا حاسمًا في مجموعة متنوعة من السياقات حيث يمكن أن يكون
التأثير النفسي لحالات الأزمات مدمرًا. أحد السياقات الأكثر وضوحًا هو سياق
"الكوارث الطبيعية" في حالات مثل الزلازل أو الفيضانات أو الأعاصير
وكذلك في الحروب، قد يعاني الضحايا من التوتر والخوف والخسارة، مما يجعل الدعم
النفسي ضروريًا للتعامل مع الصدمة. على سبيل المثال، يمكن للاختصاصيين النفسيين في
حالات الطوارئ تقديم الدعم العاطفي الفوري وتنظيم مجموعات الدعم وإجراء جلسات
التثقيف النفسي لمساعدة الأشخاص على التعامل مع ردود أفعالهم العاطفية.
علم نفس الطوارئ مهم
أيضًا في حالة وقوع حوادث خطيرة، مثل حوادث الطرق أو الحوادث الصناعية. وفي هذه
الحالات، قد يواجه الضحايا والناجون الصدمة. تشمل التدخلات النفسية إدارة التوتر
وتقييم الاحتياجات الفردية والدعم النفسي الشخصي لمساعدة الأشخاص على التغلب على
الحدث الصادم.
Bibliography
Antonino, C. (2023). Psicologia
dell’emergenza: significato, ambiti, applicazioni, formazione. Emergency Live.
Consiglio Nazionale Ordine degli Psicologi
(n.d.). Area di pratica professionale PSICOLOGIA DELL’EMERGENZA.
Consiglio Nazionale Ordine degli Psicologi
(2019). Ambiti emergenti in psicologia. Quaderni CNOP.
د. محمود صبحي سعيد
متخصص بعلم النفس التربوي والعلاجي والصدمي
موقع الجليل للخدمات النفسية
https://algaleel.com/pics/250611082423.pdf