الفقدان والحداد
Loss
and mourning
د. محمود صبحي سعيد
الحداد هو عملية إعادة صياغة مرتبطة بفقدان أحد أفراد
الأسرة. ويمكن أن يكون مؤلمًا وصادما جدًا - shock
وعادةً ما يتميز بمشاعر الحزن أو الغضب أو الذنب أو الفراغ. تعد
معالجة الفقدان أمرًا ضروريًا حتى تتمكن من بدء الحياة مرة أخرى بهدوء ومنعه من
التبلور وخلق صدمة يمكن أن تتكرر في المستقبل، مما يؤدي إلى ظهور أعراض واضطرابات.
الحداد ليس سهلا أبدا! لكن إذا عرفنا مراحله المختلفة،
يمكننا أن ندرك كل التداعيات التي يمكن أن يخلقها فقدان شخص عزيز علينا. فالوعي ضروري لتكون قادرًا على التغلب على
مرحلة تلو الأخرى بشكل أفضل.
ما هو الحداد في علم النفس؟
يشير مصطلح "الحداد" في علم النفس، إلى الحالة
الذهنية التي يمر بها الشخص بعد فقدان أحد أفراد أسرته. بمسارات وأساليب مختلفة
عند كل فرد. ويمكن أن تحدث هذه الحالة النفسية المؤلمة أيضًا في حالة الانفصال أو
الهجر أو نهاية علاقة مهمة، ولا يرتبط الحداد دائمًا بالوفاة الفعلية للشخص: فنحن
نتحدث أيضًا عن الحداد نتيجة فقدان عزيز أو الانفصال والتخلي عنه. وتؤدي نهاية العلاقة إلى فقدان شخص عزيز، حتى
لو كان على قيد الحياة، ويمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياتنا من خلال وضع مجالاتنا
الخاصة والمهنية في أزمة. وتصنيف مراحل الحداد من الناحية المفاهيمية
ليس لها عدد محدد متفق عليه، ولا يمكن تحديدها بدقة. لكننا نعرض نماذج ممن درسوا
سيرورة الحداد. فقد قيل إنها 4 مراحل أو 5 وقد تصل إلى 7.
في السبعينيات، اقترح الطبيب النفسي البريطاني كولن
موراي باركس -Colin Murray Parkes
وقبله عالم النفس جون بولبي - John Bowlby مفهومًا يشتمل على أربع مراحل
من الحداد:
1.
الصدمة والخدر - Shock and numbness. وهذه المرحلة تتبع الخسارة أو
الموت مباشرة. فيشعر الشخص الحزين بالخدر، وهي آلية للدفاع عن النفس تسمح له
بالبقاء عاطفيًا في أعقاب الخسارة مباشرة.
2.
الشوق والبحث - Longing and searching. تُعرف هذه المرحلة أيضًا باسم
"التلهّف"، وتتميز بشوق الشخص الحزين لعودة المتوفى لملء الفراغ الذي
أحدثه موته. يتم اختبار العديد من المشاعر والتعبير عنها خلال هذه المرحلة، مثل
البكاء والغضب والقلق والانشغال والارتباك.
3.
الفوضى واليأس - Chaos and despair. خلال هذه المرحلة غالبًا ما
يرغب الشخص الحزين في الانسحاب والانفصال عن الآخرين، وعن الأنشطة التي كان يستمتع
بها بانتظام. وبعد قبول حقيقة الفقدان، تقل حدة مشاعر البحث والشوق لدى المفجوع،
وتزداد مشاعر اللامبالاة والغضب واليأس والتساؤل.
4.
إعادة التنظيم والانتعاش - Reorganization and recovery. وفي
المرحلة النهائية، يبدأ الشخص الحزين بالعودة إلى حالة "طبيعية" جديدة. قد
ينعكس فقدان الوزن الذي يحدث أثناء الحزن الشديد، وتزداد مستويات الطاقة، ويعود
الاهتمام بالأنشطة الممتعة. الحزن لا ينتهي أبدًا، لكن أفكار الحزن واليأس تتضاءل
بينما تسيطر الذكريات الإيجابية عن المتوفى.
نظرًا لأن كل شخص يحزن بطريقته الخاصة وبالوتيرة التي
تناسبه، فلا يوجد مقدار محدد أو "معتاد" من الوقت الذي يختبر فيه
الأشخاص هذه المراحل أو يكملونها. ففي بعض الحالات، يمكن أن يساعد تلقي استشارات نفسية
أو الانضمام إلى مجموعة دعم لأناس فقدوا أعزاء لهم، على التحرك خلال المراحل بشكل
أكثر مرونة.
وتتحدث ايليزابيث كوبلر عن خمس مراحل، ويتحدث
البعض عن سبع مراحل للحزن، لأنهم يعتبرون أيضًا الصدمة والإنكار مراحل منفصلة للحداد
وليس في لحظة واحدة. كما أنها تتضمن الأمل في القبول.
نموذج ايليزابيث كوبلر روس - Elisabeth Kübler-Ross
إليزابيث كوبلر روس، هي طبيبة نفسية سويسرية متخصصة في
دراسة الموت - Thanatology،
من منظار نفسي، حيث درست سيرورة الحداد بالتحديد. لقولها يمر كل شخص بمراحل مختلفة
من الحداد، دون أن يمر بها بالضرورة بنفس الترتيب. كما تختلف مدة كل مرحلة حسب كل
مرحلة. تعلمنا نظريتها
أنه يمكننا تصنيف مراحل الحداد إلى 5 مراحل رئيسية. إنه الطريق الذي من خلاله
يتعامل الشخص مع حزنه لفقدان شخص عزيز عليه. لكن من المهم الإشارة إلى أن
ما ستقرأه ليس سوى مفاهيم حول كيفية التغلب على هذه الخطوات المؤلمة. تعد هذه
النظرية وغيرها من النظريات التي صاغها متخصصون آخرون في علم النفس والذين تناولوا
هذه القضية بمثابة تبسيط لعملية معقدة يمكن أن تخضع للتغيرات. أوضحت كوبلر روس أن كل شخص
حزين يمر بمرحلتين على الأقل (وبالتالي ليس بالضرورة جميع المراحل الخمس) بترتيب
شخصي. وبالتالي فإن الترتيب المقترح هو فقط الترتيب الأكثر شيوعًا من الناحية
الإحصائية ذو الخمس مراحل. تعرض روس فهم عملية معالجة مراحل الحداد، بأن القوة
للتغلب على الحداد موجودة عند البشر. لكن عندما تستمر صعوبة قبول حتميته لفترة
طويلة، فمن الممكن أن يتخذ شكلاً مَرضيًا.
ففقدان شخص عزيز، هو من أصعب المراحل في حياة الإنسان. يمكن أن
يكون الحداد محنة مؤلمة ولكنها ليست مستعصية على الحل. للتغلب على هذه المحنة التي
هي للأسف جزء من الحياة، عليك أولاً أن تمنح نفسك الوقت وتتغلب على مراحل الحداد. وعليك أن
تتقبل الألم لتتمكن من المضي قدمًا. تتسم فترة الحداد بسوء الفهم والأسئلة. يتم
إطلاق العنان للعديد من المشاعر، مما يترك مجالًا لإرتباك هائل. ويمر الألم أيضًا بمراحل
مختلفة.
مراحل مدة الحداد
كم من الوقت يمكن أن تستغرق عملية الحزن؟ لا توجد مدة محددة. فالمعاناة تتطور بمرور الوقت، وكذلك ظهور عناصر
محددة من تجربتك. يمكن أن يكون هناك بعد ذلك عودة للحزن والذكريات والمراحل
المشتركة (مثل الغضب والاكتئاب في نفس الوقت).
نظرية المرحلة لا تحدد أي مفهوم للزمن. هذه النقطة مهمة بشكل خاص. لذلك لا
أعتقد أنه سباق مع الزمن. سيحتاج بعض الأشخاص إلى وقت أطول من غيرهم للتعافي من
الألم. بينما البعض
يحدد سنة كاملة.
إن التغلب على هذه اللحظة الحزينة يعتمد على العوامل الجوهرية للشخص، وظروف
الحداد، وقرب العلاقة. لذلك لا تقارن ألمك بألم شخص آخر وامنح نفسك الوقت لاتخاذ
الخطوات اللازمة.
الحداد لا يجعلك تنسى من تحب. انت لن تنسى ذلك. ولكن عند نقطة معينة، دون
أن تدرك ذلك، سيبدأ الوضع في الشعور بألم أقل قليلاً. فيومًا بعد يوم، ستتغلب
الذكريات الجميلة على الخسارة.
علاوة على ذلك، لا يمكن تحديد أن كل حداد فريد من نوعه. مثل طبيعة الروابط
التي تربطك بالشخص الذي لم يعد موجودًا.
وبالتالي يمكن أن تكون هذه الخطوات بمثابة دليل لمرافقتك في هذه المحنة،
ولكن لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تجعلك تشعر بالذنب.
أظهرت الدراسات أنه بالنسبة لمعظم الناس، فإن أسوأ أعراض الحداد مثل
الاكتئاب والأرق وفقدان الشهية تصل إلى ذروتها بعد ستة أشهر من الفقدان وتستمر في
الانخفاض لمدة تصل إلى 18 شهرًا.
على أية حال، إذا شعرت بالضياع وتعتقد أنك لا تستطيع جمع شملك، فلا تتردد
في طلب المساعدة. لا تخف من طلب الدعم من أحبائك، متخصص أو جمعية. إن كونك محاطًا
بالحب والتفاهم هو أكثر ما يساعد في تسلق طريق الحداد الوعر.
المراحل الخمس النظرية للحزن أو مراحل للحداد الخمس وهي:
1. الرفض أو الانكار – 2. الغضب – 3. المساومة – 4. الإكتئاب - 5. القبول.
1.
مرحلة الرفض والإنكار - Denial
عندما نواجه خسارة تسبب لنا الكثير من الألم، نحاول الدفاع عن أنفسنا من
هذه المعاناة من خلال إنكارها. ولذلك ننكر ما حدث جراء ثقل الصدمة والخسارة. عندها
نجد من ناحية عاطفية غياب رد الفعل: فالشخص يدرك عقليا ما حدث لكنه لا يريده، ولا
يستطيع أن يقبله.
2. مرحلة الغضب - Anger
عندما نبدأ في إدراك ما حدث، نبدأ في الشعور بالغضب، فنسأل أنفسنا ماذا
فعلنا لنستحق هذه المعاناة، فنشعر بالغضب تجاه من آذانا ومن الحياة نفسها. نميل
إلى إلقاء اللوم على شخص ما لأننا نعتقد أن الوضع غير عادل. قد يحدث أن نشعر
بالمسؤولية بطريقة ما لأننا لم نتمكن من تجنب الخسارة. يمكن اعتبار مرحلة الغضب
إيجابية لأنه إذا أثار شخص ما هذا الشعور فينا، فإننا في النهاية نرغب في تجنبه
ومحاولة إخراجه من حياتنا. ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين حتى لا نتورط في الغضب لأنه
قد ينقلب علينا في النهاية!
Bargaining 3. مرحلة المساومة -
يبدأ عقلنا بالمساومة من أجل البقاء على قيد الحياة مرة أخرى، في هذه
اللحظة من الألم الكبير، إنها اللحظة التي نحاول فيها فهم ما نحن قادرون على فعله
وفي أي المواقف يمكننا الاستثمار عاطفيًا مرة أخرى. نحاول استعادة السيطرة على حياتنا
من خلال الإندماج أو إلقاء أنفسنا في شيء آخر، مشاريع جديدة واهتمامات جديدة وصداقات
جديدة. لكن الخسارة موجودة ومحسوسة ولم تتم معالجتها بعد ويمكن أن يعود الألم في
أي لحظة: إنها فترة "الصعود والهبوط".
4. مرحلة الاكتئاب - Depression
إن تناوب لحظات الألم ومحاولات الاستجابة
يؤدي بنا إلى الوقوع في حالة حزن متواصلة. في هذه المرحلة نبدأ في تدوين ما فقدناه.
لا يزال الألم يؤلمني كثيرًا، فهو حي وقوي وحاضر. وتظهر العواقب أيضًا على المستوى
الجسدي: من الممكن ظهور الصداع أو زيادة أو فقدان وزن الجسم أو التهيّج أو الأرق
أو النعاس.
5. مرحلة القبول - Acceptance
الوقت يغير الأشياء ويسمح لنا بإكمال عملية المعالجة. المرحلة الأخيرة
تتمثل في قبول الخسارة: إنها الطريقة الوحيدة للرد والشعور بالاستعداد لإستعادة
السيطرة على حياتنا. يعود الاهتمام بالأشخاص والمشاريع، وقبل كل شيء، نتوقف عن لوم
أنفسنا! تمكننا هذه المرحلة من فهم الخسارة والمضي قدمًا. هذا لا يعني أن تنسى من
تحب أو أنك لم تعد تشعر بالألم؛ إنه يعني المضي قدمًا على الرغم من المعاناة،
وإعطاء معنى لتلك الخسارة، والاستمرار في تبديل لحظات السعادة أو لحظات الحزن،
ولكن بطريقة خفيّة متزايدة مع مرور كل يوم.
كيفية التغلب على الفاجعة
الطريقة الوحيدة للخروج من موقف خاسر هي قبوله والرد والاستجابة له. الشيء
الرئيسي الذي نحتاجه هو الوقت. لا بد أن يمر الوقت: لن يختفي الألم، بل سيخف،
وستستمر الحياة، بطريقة تبدو مستحيلة اليوم. في حالة الشعور بصعوبة، قد يكون من
المفيد اللجوء إلى اختصاصي نفسي، يرافقنا في ترشيد ومعالجة عواطفنا وألمنا.
فرويد ومفهوم الحداد
عمل الحداد هو تعبير ابتكره سيغموند فرويد - Sigmund Freud في مقالته "الحداد
والكآبة - Mourning and melancholy"
عام 1917. إنها العملية النفسية التي تتبع فقدان شيء من الارتباط، أو شخص عزيز. ومن
هذا المنطلق فإن أي خسارة قد تتطلب عملاً مؤلمًا، بما في ذلك فقدان القدرات
البدنية أو فقدان قدرة الأداء والوظيفة.
كما يقسم المحلل النفسي فرويد الحداد إلى ثلاث مراحل:
مرحلة الإنكار - denial phase: وفيها ترفض الإيمان بالخسارة
القبول - acceptance:
الذي يعترف فيه بالخسارة
الانفصال - detachment: عودة القدرة على تكريس الذات
للآخرين أو لأنشطة أخرى أو لمتابعة اهتمامات جديدة.
يعتبر فرويد الحداد رد فعل على فقدان شخص عزيز، ليس بالضرورة، ولكنه أيضًا
شيء يأخذ نفس البعد ونهاية علاقة، وبالتالي فهو ظاهرة عقلية طبيعية ومستمرة أثناء
التطور البشري.
آليات الدفاع في الحداد - Defense mechanisms in mourning
في علم النفس آلية الدفاع هي النظام الذي يعمل خارج نطاق الوعي. يمكن تجميع
سلسلة من الآليات اللاواعية معًا والتي ينشطها الإنسان لتحمّل موقف صعب و/أو
محاربة القلق.
التسامي - sublimation: تحويل الحدث الصعب إلى عمل
إيجابي. فالحركة والطاقة تقلّل من الإحباط وتترك مجالاً للأمل والثقة.
الإنكار - denial:
هو رفض تصديق الواقع. إنكاره أو الاعتراف يالواقع ولكن رفضه لأنه غير مقبول.
الإزاحة - displacement: تقوم بنقل قلقك إلى شخص أو
شيء آخر.
العزلة - displacement:
هي وصف حالة خطيرة ومعروفة بتجرد.
الإسقاط العدواني - aggressive projection: الشخص يصبح عدوانيا.
التبرير - rationalization: يحاول الشخص فهم أصل الموقف
وسببه للسيطرة عليه بشكل أفضل.
النكوص – regression:
استئناف المواقف أو السلوكيات القديمة مقارنة بالحالة الحالية.
bibliography
Abraham, N., & Torok, M. (1980). Introjection-incorporation:
Mourning or melancholia. In Psychoanalysis in France, ed. S. Lebovici
& D. Widlöcher. New York: International Universities Press, pp. 3—16.
Freud, S. (1917). Mourning and Melancholia. The
Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud, Volume
XIV (1914-1916): On the History of the Psycho-Analytic Movement, Papers on
Metapsychology and Other Works, 237-258
John Bowlby (1960) Rief
and Mourning in Infancy and Early Childhood1, The
Psychoanalytic Study of the Child, 15:1, 9-52, DOI: 10.1080/00797308.1960.11822566
Klass,
D. (1988). John Bowlby's model of grief and the problem of
identification. OMEGA-Journal of Death and Dying, 18(1),
13-32.
Parkes, C. M. (1970). The first year of bereavement: A longitudinal study of the reaction of London widows to the death of their husbands. Psychiatry, 33(4), 444-467
د. محمود صبحي سعيد
متخصص بعلم النفس التربوي والعلاجي والصدمي
موقع الجليل للخدمات النفسية
للطباعة أدخل للرابط التالي:
https://algaleel.com/pics/240229223514.pdf