المرونة النفسية
ملخص لمراجعة أدبية عن المرونة والحصانة النفسية
د. محمود صبحي سعيد
Psychological resilience: Summary of a literature review on psychological resilience
Dr. Mahmud Said
طارئ متواصل وصدمة حادّة
مدخل
الطوارئ طالت والشدّة زادت والثقل أثقل والفقدان انتشر والموت يضرب بقوة. هذا حالنا اليوم. لا ماء ولا دواء ولا طعام ولا مأوى. قتل وتشريد وهدم وتخريب. يخيّم اليأس فيستقر، فيتلاشى بذكر الله. يأتي التفاؤل فيستقر، ثم بحدث كبير يندثر. وهكذا دواليك. النفس مضطربة حيرى، تعصف فيها الكثير من المشاعر، تكاد لا تدركها فتتغير. كيف أتصرف؟
عندما يصبح ثقل الحياة مرهقا، وكل شيء حولك رماديا، وتتراءى الصعوبات أمامك كصخرة يستحيل التغلب عليها أو كسرها، في هذه اللحظة بالذات، يمكن اكتشاف موارد وطاقات مفيدة لا حصر لها لمواجهة الشدائد والعقبات، للرد، للابتكار، للتأمل ولإعادة بلورة الذات. تزدحم صعوبات الحياة ويضيق الصدر ذرعا بها، فتجمع قواك الذاتية وترد بقوة لمواجهتها وتبديدها. نعم "اشتدي أزمة تنفرجي" فالليل ينجلي بصبح ويطرده نور الضياء. ترتبط القدرة برؤية إمكانية إبداعية للنمو والاكتشاف في التجربة المؤلمة ارتباطًا وثيقًا بموضوع المرونة.
نهدف هنا لتقديم ملخص عن المرونة أو الحصانة النفسية ومعانيها كمصطلح كبير، والارتباط بين البناء النفسي للشخصية والإبداع وطرق التدخل لتعزيزها.
نقدم هنا إطارا نظريا بمختلف التعاريف والنظريات والنماذج التي طورها المجتمع العلمي على مر السنين على وجه التحديد، ونعرض الإجراءات النفسية التي تعمل على إعادة الإدماج المرن في المرونة. في الواقع نهدف لتسليط الضوء على العلاقة بين آليات المرونة وتنظيم العاطفة. وتجدر الإشارة إلى الآليات الأساسية لعملية إعادة الإدماج المرنة كالتكيف والابتكار والتقييم والمشاعر الإيجابية.
ونسلط الضوء على ارتباط هذا المفهوم والأداء الوجودي القائم بين المرونة والإبداع. يتم التأكيد على إمكانية فهم المرونة كعملية إبداعية مدعومة بالتفكير التباعدي المتحرر من جمود التفكير المنطقي، من أجل السماح بالبناء الإبداعي لمعاني وجودية جديدة. تمامًا مثل كين - تسوجي، تتوافق المرونة مع القدرة الإبداعية على إعطاء شكل جديد للشقوق وجبر الكسور.
أخيرًا، نركز على المستوى التطبيقي: نقدم ملخصًا موجزًا لأساليب تعزيز المرونة في السياقات السريرية وفي سياقات محددة من الضعف، مع التركيز على أهمية تطوير التدخلات التي تهدف إلى تعزيز الصفات المرنة عند الفرد والأسرة والمدرسة والمجتمع.
مراجعة أدبية
Literary review
تكشف مراجعة المقالات الحديثة في مجال علم النفس السريري، أن التدخلات والأبحاث تركز في معظمها على فحص طبيعة الاضطرابات المتنوعة وعلاجها. وتقدم حركة ما بعد الحداثة أو الحركة العلمية الجديدة، رؤى حول الأساليب البديلة للعلاج والتعليم مع اتجاهات جديدة للمساعدة. إن التحول النموذجي من النهج الاختزالي الموجه نحو حل المشكلات، إلى تعزيز نقاط القوة، هو موضوع سائد في التخصصات الأكاديمية والمهن المساعدة.
لقد برزت المرونة والقدرة على التحمّل كمجالات بحث مثيرة للاهتمام، تستكشف المواهب ونقاط القوة الشخصية التي يمكن الوصول إليها للنمو خلال الشدائد. بالنسبة للبعض، قد تفاجئ النظرية المجازية للمرونة والصمود القارئ، لأنها ليست نظرية موجهة نحو حل المشكلات. بالنسبة للآخرين، قد يكون ما وراء النظرية شيئًا يوفر النموذج المطلوب لدمج تفكير ما بعد الحداثة. ونأمل أن يمنح هذا بعض الحرية للمهنيين لاستكشاف الأصول "الروحية" للقضايا التي أصبح المهتمون متناغمين معها كما يتضح من الكتب والموضوعات الشائعة في البرامج الحوارية عن هذا الموضوع. قد تساعد نظريات المرونة والصمود في تعزيز الشفاء على مستوى أعمق وأكثر ليونة وأكثر فعالية. وقد تم الإبلاغ عن العديد من المشاريع البحثية وبرامج التدريب القائمة على المرونة لأكثر من عقد من الزمان ( - Bonnie Benard بينارد، 1997).
لقد رأينا تاريخيا أن موجات البحث في المرونة لم تنشأ من أسس أكاديمية نظرية، بل من خلال التحديد الظاهري لخصائص الناجين، ومعظمهم من الشباب، الذين عاشوا في مواقف شديدة الخطورة.
كانت الموجة الأولى من الاستفسار عن المرونة ردًا على السؤال التالي: ما هي الخصائص التي تميز الأشخاص الذين سينجحون في مواجهة عوامل الخطر أو الشدائد مقارنة بأولئك الذين يستسلمون للسلوكيات المدمرة؟ تهدف معظم الأدبيات المتعلقة بالمرونة إلى وصف وتحديد صفات المرونة الداخلية والخارجية التي تساعد الأشخاص على التأقلم أو "العودة" في أعقاب المواقف عالية الخطورة أو بعد النكسات. تمثل قائمة الصفات المرنة نتيجة الموجة الأولى من الاستقصاء عن المرونة.
وكانت الموجة الثانية من الاستقصاء والبحث المكثف عن المرونة بمثابة السعي لاكتشاف عملية تحقيق وإعادة تكاملية للوصول للصفات المرنة المحددة. وهنا قد تم تعريف المرونة على أنها عملية التعامل مع الشدائد والضغوطات أو التغيير أو الفرص بطريقة تؤدي إلى تحديد وتعزيز وإثراء الصفات المرنة أو عوامل الحماية. تعتمد نظرية المرونة على نموذج المرونة (ريتشاردسون، نيجر، جنسن، وكومفر، 1990) الموضح لاحقًا في هذه الورقة. قائمة بالصفات أو الأصول أو عوامل الحماية التي تساعد الأشخاص على النمو خلال الشدائد (احترام الذات والكفاءة الذاتية وأنظمة الدعم وما إلى ذلك).
الموجة الثالثة: المرونة الفطرية تحديد متعدد التخصصات ما بعد الحداثة للقوى التحفيزية داخل الأفراد والجماعات وخلق تجارب تعزز تنشيط واستخدام القوى. يساعد المنتفعين والطلاب لاكتشاف وتطبيق القوة التي تدفع الشخص نحو تحقيق الذات وإعادة الاندماج بمرونة من الاضطرابات.
معاني المرونة - Etymology of resilience
لقد أثارت كلمة المرونة، بمعانيها المتعددة ومجالات تطبيقها المختلفة، اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة داخل المجتمع العلمي، وبشكل عام، داخل المجتمع.
ما هو أصل المصطلح وما معناه؟ ما هي مجالات التطبيق وما هي النظريات الأكثر اعتماداً؟
"مرونة" Resilience
تأتي كلمةُ resilience - resilient "مرونة" من الكلمةِ اللاتينية "resilire” والتي تعني حرفيًا "الرجوعُ للخلف". إنّه مصطلحٌ جديدٌ مستعارٌ من الفيزياءِ وبخاصةٍ من علمِ التعدين.
المرونةُ في علم النفس على الصعيدِ الفردي: هي مفهومٌ يشيرُ إلى القدرةِ على التعاملِ بإيجابيةِ مع الأحداثِ الصادمة، وإعادةِ تنظيمِ حياةِ المرءِ بشكلٍ إيجابي في مواجهةِ الصعوبات، وإعادةِ بناءِ نفسِهِ مع البقاءِ حساسًا للفرصِ الإيجابيةِ التي توفرُها الحياة، دون تشويهِ هويته. الأشخاصُ المرنون هم أولئك الذين ينغمسونَ في ظروفٍ صعبةٍ ومعاكسةٍ ويديرونَ شؤونَهم جيدًا، على الرغم من كلِّ شيءٍ وبرغم كلِّ الصعاب، يتعاملون بفعالية مع النكسات، وإعطاءِ دفعةٍ جديدةٍ لوجودهم ويتمكنون حتى من تحقيق أهدافهم. Stretchy, Elastic, Resilient
تاريخ مصطلح المرونة أو الصمود
ظهر مفهومُ المرونةِ النفسيةِ من قبل الاختصاصي النفسي الأمريكي جاك بلوك Jack Block من خلال دراسةٍ طويلةِ المدى على أطفالِ واجهوا ضائقة.
كما أسهم الطبيب نورمان جارميزي من خلال دراسات عن آثارِ الإجهادِ أو الصدمةِ النفسيةِ في مرحلة النمو والطفولةِ المبكرة.
ومن ثم الاختصاصي النفسي جلين إلدر، حيث قدَّمَ هذا المفهومَ في المجال التربوي. له كتابُ "أطفالُ الكسادِ العظيم" لقد صوَّرَ الأطفالَ كممثلينَ قادرينَ على تشكيلِ حياتهم الخاصة، وهم ليسوا كائنات سلبية بحتة.
كذلك بوريس سيرولنيك في كتابه The Wonderful Pain- Boris Cyrulnik تناولَ مفهوم المرونة النفسية، حيث أجرى دراسةً منهجيةً لسلسلةٍ متنوعةٍ من حالات الأطفالِ الذين تعرضوا لصدماتٍ شديدةِ العنف (أطفالُ في دور الأيتام، الأطفالُ السجناء، الأطفالُ المشوهون في الحرب، الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسي). لقد رأى أنَّ الأطفالَ الذين يتمتعون بالمرونة النفسية هم الأقدرِ على مقاومةِ الصدماتِ وما تعرضوا له من أذى، والعثورِ بشكلٍ مستقلٍ على المواردِ النفسيةِ للتفاعل، وتكوينَ شخصيةٍ صحيّةٍ.
المرونةُ الكافيةُ هي نتاجُ تكاملِ العناصرِ التالية:
1. غريزي: سمةٌ من سماتِ السنوات الأولى من الحياة، عندما تهيمنُ على العملياتِ العقليةِ الأنانيةِ والشعورِ بالقدرةِ المطلقة.
2. عاطفي: يعكسُ النضجَ العاطفي، والشعورَ بالقيم، والشعورَ بالذات.
3. التنشئةُ الاجتماعيةُ السليمةُ التي تبثُّ الثقةً والقدرة في النفس أو الذات.
4. الإدراكي: عندما يتمكَّنُ الشخصُ من استخدامِ القدراتِ الفكريةِ الرمزيةِ والعقلانية.
المجتمعاتُ المرنة - Resilient communities: Social and group resilience
تتحقق المرونةُ الاجتماعيةُ والجماعيةُ (المرونة لدى الجماعة) عندما تشكلُ مجموعةٌ أو بناءٌ اجتماعيٌّ أو أمةٌ هياكلَ تماسكٍ وانتماءٍ وهويةٍ وتحدٍّ للبقاء كجماعة، كذلك مدى قدرتِهَا على تطويرِ طُرقٍ للتعاملِ مع أحداثٍ ومواقفِ التعرضِ للخطرِ كمجموعة وهوية، ومدى تشكيلِ مبادئَ توجيهية تسمحُ لها بالبقاءِ والتوسعِ والتأثيرِ الإيجابي المجتمعي.
وتناول أوسكار شابيتال كولشادو (2013) مفهومَ المرونةِ بأنَّ هذا المفهومَ يؤكدُ نفسَه. فعندما نحللُ السياقاتِ الاجتماعيةِ بعد الكوارثِ الطبيعيةِ أو من صنعِ الإنسانِ كالحروب؛ نجد أنَّ هناك مجتمعاتٍ تنهارُ اقتصاديًا واجتماعيًا وتتوقفُ عن التطور؛ نتيجةَ الصدمةِ التي شكلتها الكارثة، وتبقى في حالةِ عدمِ استقرارٍ مستمر، وفي المقابل هناك مجتمعات تبقى صامدةً أمام الصدمة، تتحدٍّى بما يتوافر فيها من القوةَ والمواردَ اللازمةِ لمرحلةٍ جديدةٍ من النمو والتأكيدِ على بقائها. لذلك فإنَّ مفهوم المرونةَ يحمل في طيّاته جوانب اجتماعية ونفسية.
نختم بالقول إنَّ عوامل الهوية، والتماسك الاجتماعي، ومجتمع الهدف، والقيم الأساسية، هي التي تُشكِّلُ "المجتمع المرن". القادر على المقاومة والرد في مواجهة الصعوبات والمحن والأحداث السلبية. وفي هذا الصدد، من المثير للاهتمام الإشارة بإيجاز إلى خطة التعافي الوطني والقدرة على الصمود، أي خطة التعافي الوطنية والقدرة على الصمود. إن اختيار استخدام كلمة مرونة لوصف استراتيجية لتخطي الأزمة في حقبة ما بعد الحرب مثلا أمر مهم لأنه ليس فقط يؤكد على إمكانية توسيع نطاق المعاني المرتبطة بالمصطلح، لكنه يؤكد على القيمة الرمزية القوية التي يمكن أن تجعل من كلمة المرونة المصطلح الرئيسي المرتبط بوصف فترة الأزمة.
تعريفات المرونة بحسب جدول (فليتشر وساركار، 2013)
*عوامل الحماية التي تعمل على تعديل أو تحسين أو تغيير استجابة الشخص، لبعض المخاطر البيئية التي تؤدي إلى نتيجة غير قادر على التكيف معها (Rutter,1987)
*عملية أو قدرة أو نتيجة التكيف الإيجابي، على الرغم من التحديات أو الظروف المهددة
(Masten, Best e Garmezy, 1990)
*عملية ديناميكية تتضمن التكيّف الإيجابي في السياقات من الشدائد الكبيرة (Luthar et al., 2000)
*مجموعة من الظواهر تتميز بنتيجة جيدة، رغم التهديدات التي تواجه التكيف والتنمية
(Masten, 2001)
(Connor e Davidson, 2003) *الصفات الشخصية التي تسمح لك بالنجاح في الظروف المعاكسة
*قدرة البالغين، الذين يتعرضون لحدث معزول ولكن من المحتمل أن يكون مزعجا، على الحفاظ على مستويات مستقرة وصحيّة نسبيا من الأداء النفسي والجسدي، فضلا عن القدرة على اكتساب الخبرات (Bonanno, 2004) والمشاعر الخلاقة والإيجابية
(Agaibi e Wilson, 2005) *ذخيرة معقدة من السلوكيات والميول
*قدرة الأفراد على التغلب على التغيرات الكبيرة أو محنة أو خطر بنجاح (Lee e Cranford, 2008)
(Leipold e Greve, 2009) *الاستقرار والتعافي السريع (أو حتى النمو) للفرد بظروف معاكسة كبيرة
التيارات البحثية عن مفهوم المرونة
من المهم ذكره بادئ ذي بدء، أن نأخذ في الاعتبار، أن علم النفس شهد نقلة نوعية مهمة على مرّ العصور: إذ كان الاهتمام في البداية، من خلال نهج طبي صارم، موجهًا بشكل أساسي إلى علاج الأمراض المختلفة، أمّا في النصف الثاني من القرن الماضي فتحوّل الاهتمام إلى حد كبير بالجانب المتعلق بتعزيز الصحّة. وكانت القوة الدافعة وراء هذا التغيير في هذا الاتجاه، هي انتشار مناهج جديدة مثل: علم النفس الإيجابي، وعلم النفس الإنساني. وتماشيًا مع ما سبق، يجب التأكيد على أن دراسة المرونة أظهرت أيضًا تغيرًا في المنظور على مر السنين، فيما يتعلق بمحور البحث وموضوعه. وباستعراض بعض الدراسات التي اقترحها المجتمع العلمي على مدى عقود، يتبين أنه من الممكن الحديث عن أربعة تيارات بحثية حول المرونة.
تيارات البحث الأربعة التي تم إجراؤها لمصطلح المرونة وظلال معناها المختلفة، التي تركز على تحليل البناء من وجهة نظر نفسية بحتة، موضحة توليف البحث عن المرونة، الذي يسمح لنا بفهم التعريفات التي تم اقتراحها على مر العقود.
الدراسات الأولى: يهدف إلى رصد عوامل المرونة الموجودة على وجه التحديد لدى بعض الأطفال الذين- على الرغم من ظروف الفقر والمشاكل الاجتماعية أو الأسرية- ما زالوا يظهرون تطورًا إيجابيًا وميلًا نحو الازدهار مقارنة بالآخرين الذين أظهروا الميل إلى الضعف. وفي هذا الصدد، ذكر البحث الطولي الذي أجراه فيرنر وسميث (فيرنر وسميث، 1992) على عينة مكونة من 698 طفلاً يعيشون بظروف قاسية، مما يزيد من احتمال خطر الإصابة بأشكال من الاضطرابات النفسية أو الاجتماعية، وخلافا للتوقعات المحتملة، كشفت نتائج هذه الدراسة، التي استمرت حوالي ثلاثين عاما، أن ما يصل إلى ثلث الأطفال أظهروا نموا كافيا وخاليا من أي شكل من أشكال الانحراف أو الضيق. إن فهم السبب الذي جعل هؤلاء الأطفال يتمتعون بالمرونة، سمح لنا بتحويل المنظور من تحليل الأسباب التي تحدد مصدر الانزعاج، أو بالأحرى النقص والضعف، نحو التحقيق والتمحيص ومن ثم تولي مسؤولية الموارد الشخصية ورعايتها. وأفراد الأسرة الذين يسمحون للشخص بدمج موارده مع محدوديته ويفهمون أن التجربة المؤلمة، والتي على الرغم من أنها تبقى فعلا تجربة مؤلمة، لكنها مهمة وذات معنى، ويمكن أن تصبح فرصة تكوينية للنمو الشخصي (Malaguti، 2005).
لقد ركز عمل التيار البحثي الأول، تماشيًا مع هذه الدراسات، على تحديد العوامل الوقائية والتعزيزية المرتبطة بالمرونة. لوحظ أنه تم استخدام نهجين في هذه الفترة لتعريف عوامل المرونة: النهج الذي يركز على الشخص ويهدف إلى تحديد خصائص أولئك الذين تم تحديدهم على أنهم مرنون مقارنة بأولئك الذين لم يتمتعوا بالمرونة على الرغم من وجودهم في نفس الوضع المعيشي.
أما النهج الثاني، الذي ركز على المتغير، فقد قام بتحليل العلاقات بين خصائص الأفراد وبيئاتهم (رايت، ماستن، ونارايان، 2013). لقد اهتم الباحثون هنا بتحليل العمليات التفاعلية التي يقوم عليها مفهوم المرونة وحاول وصف الطريقة التي تتفاعل بها عوامل الحماية التي انبثقت عن المسار البحثي الأول وتساهم في تحقيق نتائج إيجابية. وفي هذه المرحلة تم اقتراح سلسلة من النظريات التي سيتم توضيحها لاحقا.
وكانت مهمة المسار البحثي الثالث، هي ترجمة نتائج المسارين الأوليين إلى مصطلحات عملياتية تنفيذية، من أجل تطوير استراتيجيات الوقاية والتدخل النفسي لتعزيز القدرة على الصمود. منذ هذه اللحظة بدأ بعض الباحثين يعتبرون المرونة قوة تحفيزية فطرية تدفع نحو إعادة الاندماج والاستيعاب بعد تعرضهم لمواقف معاكسة (ريتشاردسون، 2002).
ويهدف المسار البحثي الرابع والحالي إلى تحقيق فهم أكثر تعمقًا للمرونة، مع الأخذ في الاعتبار أبعادها المتعددة. ولذلك من المهم التقدم في هذا الاتجاه لضمان إمكانية تنفيذ استراتيجيات الوقاية والتدخل النفسي، التي تنظر إلى القدرة على التحمّل كعنصر أساسي لأغراض صحة الشخص ورفاهيته، حيث لا تعني الصحة مجرد غياب المرض، ولكنه يستفيد من إمكانية عيش حياة مُرضية - fulfilling life رغم أنها لا تخلو من الصعوبات.
الإطار النظري
ما هي النظريات والنماذج الأكثر اعتماداً؟ للإجابة عن هذا السؤال سنعرض بعضا منها وتحليلاتها، والنماذج الأكثر شهرة من قبل المجتمع العلمي، وسيتم توضيح ملخص موجز فيما يتعلق بتطورها على مر السنين. ومن الضروري التعمق في بعض النماذج المرجعية، لفهم تطور المرونة بشكل أفضل.
نوضح هنا طبيعة نظرية المرونة والصمود وآليات تطبيقها. بهدف وصْف مسلمات نظرية المرونة والصمود، التي توفر إطارًا يمكن أن تستند إليه التدخلات والأبحاث.
إليكم بعض النظريات والنماذج:
نموذج ريتشاردسون Glenn E. Richardson - Richardson et al. (1990) -
استناداً إلى ما ذكر، يبدو من المناسب اقتراح تصور لمفهوم المرونة باعتباره بناء يتميز بطبيعة مزدوجة، وسمة شخصية وسيرورة عملية تفاعلية. تم اقتراح محاولة التكامل التي تدرس الطبيعة السلوكية والإجرائية للمرونة من خلال عمل ريتشاردسون (2002) بعنوان " ما وراء نظرية الصمود والمرونة "
“The Metatheory of Resilience and Resiliency”
يقدم المؤلف نموذجًا خطيًا لعملية المرونة التي تبدأ كما وصفها ريتشاردسون من حالة التوازن النفسي والروحي omeostasi. هذا التوازن المستتب، والذي يمكن تخيله كمنطقة راحة comfort، يتعرض للتهديد باستمرار بسبب الضغوط اليومية stressorsحيث يتعين على كل الأفراد التعامل معها طوال حياته، من خلال تنمية مواردهم المرنة، والتعليق والانتظار وإعادة الدمج، دون مغادرة منطقة التوازن. ويحدث انهيار هذه الحالة الاستتبابية عندما يجد الفرد نفسه في مواجهة موقف، ليس بالضرورة أن يكون سلبيًا، ولكن لم يسبق له أن مر به من قبل هذه اللحظة. وهذا يعني، أن طريقة فهم الواقع وطريقة التعامل مع الأحداث ربما تضطر إلى التغيير، هذه اللحظة التي تتميز بالحاجة الملحة للتغيير، ويمكن أن تمثل فرصة لتعزيز الموارد المرنة أو يمكن أن تنتهي بنتائج سلبية إلى حد ما: إنها اللحظة التي يعرفها ريتشاردسون بأنها "تعليق" ”suspension” يتم خلالها تجربة سلسلة كاملة من المشاعر التي تجبر الشخص على الصمود. عندها يجب على الفرد أن يفكر ويتساءل، بشكل أو بآخر، عن الاستراتيجيات الممكنة التي سيتم تنفيذها للتعامل مع الحدث المليء بالعناصر الجديدة. هذه هي لحظة "إعادة الإدماج" reintegration التي يمكن أن تؤدي إلى أربع نتائج مختلفة:
1. تؤدي إعادة الدمج المرن إلى النمو وزيادة في الصفات المرنة - an increase in elastic qualities
2. تسمح عملية إعادة التكامل الاستتبابي - homeostatic reintegration، للفرد بالعودة إلى منطقة الراحة الأولية - initial comfort zone
3. تتميز عملية إعادة الاندماج مع الخسارة - reintegration with loss، بحقيقة أن الفرد، بعد أن اختار استراتيجيات تفوق إمكانياته بشكل مفرط، سيجد نفسه مع مجموعة من "الموارد التالفة" “damaged resources”، خالية من التقدير والأمل والتحفيز. وتتمثل في إعادة التكامل المختل في استخدام سلوكيات غير تكيفية ومدمرة ومغايرة للذات. ومع ذلك، فإن إمكانية تأخير إعادة الإدماج القادر على الصمود ستظل مفتوحة.
حظي النموذج بدعم كبير من المجتمع العلمي، على الرغم مما يعانيه من بعض أوجه القصور. أولا: لا نجد جوابا لتساؤلنا ما هي الآثار المترتبة على عمليات الانقطاع وإعادة الإدماج عندما يكون هناك أكثر من حدث مزعج؟ ثانيًا، لا يأخذ النموذج في الاعتبار الدور المهم لما وراء المعرفة - metacognition، والتقييم المعرفي للعواطف - cognitive appraisal of emotions. في الواقع، من المعروف أن الوظائف المعرفية تلعب دورًا حاسمًا في تقييم الفرد للمواقف العصيبة. ولذلك يتجاهل النموذج جانبًا مهمًا بكل ما يتعلق بالجهاز النفسي واستراتيجيات المواجهة - whole apparatus and coping strategies، والتي تعد ذات أهمية أساسية إذا أردنا الوصول إلى نظرية المرونة التي تشير إلى طبيعتها متعددة المكونات ومتعددة المتغيرات.
الموضح بالشكل رقم 1 التالي:
إطار كيرشباومر - ستوكلر النظري framework of Dominik Kerschbaumer-Stöckler
يستخدم كيرشباومر-ستوكلر (2012) إطارًا يتكون من مخطط ديكارتي ثنائي المتغير في نموذجه (الشكل 2). لتسهيل التمثيل على مراحل لنموذجه، ولتعزيز المنطق الإجرائي ومتعدد المستويات لعملية توليد المرونة.
الشكل 2 إطار عمل كيرشباومر-ستوكلر (2012)
على غرار ما أوضحه ريتشاردسون (2002)، يُظهر إطار عمل كيرشباومر-ستوكلر (2012) أيضًا كيف تختل حالة التوازن بسبب حدث سلبي، وهو محفز تحدث بعده فترة مضطربة، تتميز بتدهور مستويات الإدارة، تتبع هذه المرحلة إعادة التشغيل التي يمكن أن تؤدي إلى أربع نتائج: العودة إلى حالة التوازن، أو تجاوز المستوى الأولي للأداء، أو الفشل في إعادة التكامل، أو فقدان الخلل الوظيفي. خلال هذه المرحلة يتم تفعيل آليتين نفسيتين تقوم عليهما عملية إعادة الإدماج المرنة: التقييم والتكيّف. تتفق العديد من الدراسات على حقيقة أن هذه الآليات المحددة، التي تقع ضمن المنطقة الكبيرة المتعلقة بعمليات تنظيم العاطفة، تسمح للفرد بالاستجابة للأحداث المجهدة، وبالتالي فهي مرتبطة بشكل وثيق بمفهوم المرونة.
نموذج كومبفر Compfer
نموذج تكاملي آخر هو ما يقترحه كومبفر (1990)، الموضح في الشكل 2، والذي يقترح مستقبلًا مثيرًا للاهتمام للمرونة. يعرف المرونة على أنها تتأثر بستة عوامل: الأحداث الضاغطة، والسياقات البيئية، وعمليات المعاملات بين الشخص والبيئة، وعوامل المرونة الداخلية، وصيرورة المرونة، والتكيّف وإعادة التكامل. ويعرف كومبفر (1990) وعي الفرد بقدراته والثقة بالنفس على أنها القدرة على التعامل مع الأحداث الضاغطة. لقد قدم هذا النموذج مساهمة أساسية في تجسيد مفهوم المرونة حيث يركز على مفهوم التقييم والتكيّف باعتبارهما مترابطين.
الشكل 3. إطار المرونة (كومفر، 1999)
كما يقترح هذا النموذج إطارًا يتم فيه توضيح عملية تطوير المرونة، والذي يتضمن ستة عوامل رئيسية:
1. الأحداث الضاغطة - Stressful events: تمثل خللاً في التوازن على الصعيد الفردي أو التنظيمي، وتعتمد درجة الضغط على الإدراك والتقييم المعرفي وتفسير عامل الضغط على أنه تهديد أو مكروه.
2. السياقات البيئية - Environmental contexts: تشير إلى كل ما يتعلق بالتفاعل بين عوامل الخطر - risk factors، وعوامل الحماية - protective factors.
3. عمليات المعاملات - Transactional processes، بين الشخص والبيئة: تشير بشكل صارم إلى ديناميكيات التفاعل بين الفرد والبيئة.
4. عوامل المرونة الداخلية - Internal resilience factors: تشير إلى الموارد الروحية والمعرفية والاجتماعية/السلوكية والجسدية والعاطفية/الوجدانية الداخلية للفرد.
5. عملية المرونة -Resilience process: وتشمل ما يتعلق بالتعرض التدريجي للتحديات والضغوطات التي يتعين على الفرد مواجهتها طوال حياته.
6. التكيف وإعادة الاندماج - Adaptation and reintegration: تشير إلى تحقيق التوازن المرن - resilient balance، وهي تنبئ بإعادة الاندماج اللاحقة بعد حدوث اضطراب أو ضغوط.
يتميز النموذج الذي اقترحه كومبفر بخاصية تسليط الضوء على حقيقة أن التوتر لا ينبع كثيرًا من طبيعة الحدث الضاغط في حد ذاته، ولكن من كيفية تقييمه وإدراكه. يؤكد المؤلف هنا في الواقع، على أن الفرد الذي يواجه حدثًا يحتمل أن يكون مرهقًا، سيُطلب منه إجراء سلسلة من التقييمات وسيتعين عليه أولاً تقييم طبيعة الحدث المجهد وشدته، ثم سيتعين عليه الرد المناسب. ويسأل نفسه إذا كان لديه الموارد اللازمة للتعامل معه، وما هي العواقب التي تترتب عليه؟ فيترتب عليه الضغط المتصّور الذي ينبع من التقييم الشخصي للموقف، فيما يتعلق بقدرات الفرد. ومن التفاعل الديناميكي بين العوامل الستة الموصوفة في النموذج، يترتب على ذلك أن الأفراد المرنين الذين يمتلكون مجموعة كافية من الموارد المفيدة للتعامل مع عدد كبير من الأحداث، ويواجهون تحديات الحياة، هم أكثر ميلاً إلى تعلم طرق جديدة للتغلب على التحديات. وقد لاحظ كومبفر أن الأشخاص ذوي الموقف الإيجابي والمرن تجاه الحياة، يميلون إلى قبول التغييرات بسهولة أكبر، وتحويلها إلى تحديات وفرص للتحسين، ولا يستسلمون للشدائد.
بناء على نموذجي ريتشاردسون وكومبفر (1990) نرى إشارة إلى وجود مرونة فطرية ونزعات يمكن توسيعها وتغذيتها طوال الحياة في لحظات خلل التوازن، من خلال إعادة دمج مركبات المرونة. بدءًا من حالة التوازن الحيوي والنفسي والروحي، حيث يتم تكييف الفرد بشكل مثالي، عندما يشهد دخولا مستمرًا من المحفزات الخارجية المجهدة. هناك طريقتان للتأقلم: أولا: عندما يتمكن الفرد من مواجهة هذه المحفزات دون الخروج التام من حالة التوازن ولكن دمج القراءة الإيجابية للحدث فيها، فسيكون قد عزّز صفاته المرنة. وفي لحظة تعليق التوازن، يجد الشخص نفسه في مواجهة تشعب ويمكن أن يتفاعل مع الحدث بشكل إيجابي أو سلبي، وبالتالي هنا يحدد تعزيز المرونة. في البداية ستغمر الإنسان مشاعر شديدة من الغضب والألم والخوف مما يدفعه إلى التأمل.، ثانيا: ستبدأ الاستراتيجيات المحتملة في الظهور، ثم تبدأ عملية إعادة الإدماج Reintegration والتي يمكن أن تترجم إلى مرونة flexibility - Resiliency، إذا تم تعزيز مهارات التكيّف في العودة إلى حالة التوازن. أما عندما يواجه المرء ببساطة الصعوبة دون تعلم استراتيجيات جديدة وبالتالي دون تعزيز المرونة، وإعادة الاندماج مع الخسارة، وهو غير قادر على مواجهة الحدث أو التفكير في الاستراتيجيات الممكنة، فينتج إعادة اندماج مختل، أي دمج لاستخدام استراتيجيات غير قادرة على التكيّف، مثل تعاطي الكحول والمخدرات أو السلوكيات المدمرة للتعامل مع حدث مرهق.
وفقًا لنظريات لازاروس وفولكمان - Lazarus and Folkman (1984)، فهما أيضا من أنصار الرأي القائل إنه يتم تعديل التوتر من خلال إدراك الشخص للحدث المجهد، أي من خلال مستوى الشدة المدرك وتقييمه، وهذا الذي سيؤثر مستقبلا على القدرة على التأقلم والمواجهة في المستقبل. وفي هذا الصدد يمكننا الحديث عن التقييم المعرفي، أي التفسير الذي يعطيه الفرد لحدث معين من خلال الإشارة فقط إلى ما يعتبره مفيدًا ومهمًا لنفسه. الواقع هو في الحقيقة، عبارة عن بناء مستمد من التفسير الذي يعطيه كل واحد منا لحدث معين. ويؤثر هذا التقييم أيضًا على التنشيط الفسيولوجي للفرد. فإذا فسّر الفرد الإشارات الداخلية بشكل سلبي، -على سبيل المثال الشعور بالقلق أو الخوف-، على أنها خارجة عن سيطرته، فسوف ينتج عنه تأثيرات على المستوى البيوكيميائي، من خلال رد فعل عصبي نباتي يسبب حلقة مفرغة. فيؤثر التنشيط العصبي النباتي على الجزء الفيزيولوجي-العصبي للعواطف. ولذلك إذا رأى الشخص أن الحالة خارجة عن قدراته، فإن ذلك سيؤدي إلى عواقب سلبية فيما يتعلق بإمكانية التعامل مع الحدث بنجاح. بالإضافة إلى التقييم المعرفي، فإن السياق الذي تحدث فيه مسألة شدة إدراك الحدث المجهد مهم أيضًا، ويؤثر سلبا في الظروف المعاكسة، فيصعب على الأشخاص أن يكون لديهم تصور إيجابي لمهاراتهم في التأقلم (Wolfe, 1969) وعندما يدرك الفرد حدثًا مرهقًا، فإنه يستخدم كل موارده للتعامل معه، وتعديل السياق نفسه، وستستمد أساليب الإدراك التي يستخدمها من الموارد الشخصية التي يمتلكها. فإذا كان هناك تطابق بين الحدث والموارد، فإن مستويات التوتر المتصوّر ستكون أقل وبالتالي ستكون المرونة أكبر، والعكس صحيح.
هناك خط آخر من الأبحاث المتعلقة بالمرونة يقوم بدراسة الشخصية المرنة. لقد كان هناك جدل ساخن لبعض الوقت بين أولئك الذين يرون المرونة كعامل فطري، وأولئك الذين يعتبرونها عملية ديناميكية ومتغيرة بناءً على السياق (كونور، 2003؛ ميلر، 1988؛ واغنيلد ويونغ، 1993). ووفقا لهذه النظرية الأخيرة، فإنه من الممكن تطوير المرونة. وفيما يتعلق بهذا النقاش، يذكر ريتشاردسون (2002) أن المرونة موجودة في كل واحد منا، وفي الوقت نفسه يمكن تعزيزها طوال الحياة. ولذلك فإن المرونة لها طبيعة مزدوجة، السمة كعامل فطري والعملية كعامل ديناميكي.
لقد تم تعريف المرونة باعتبارها سمة من قبل Wagnild and Young (1993) باعتبارها خاصية شخصية قادرة على تخفيف الآثار السلبية للتوتر، وتعزيز التكيّف مع الوضع. وسمحت دراسة أجروها بتحديد مجموعة من عوامل الشخصية المرتبطة بالقدرة على التعافي من الفجيعة. وشملت هذه الرؤية النظرة المتوازنة للحياة والمثابرة والثقة بالنفس والشعور بالتفرّد وإسناد المعنى للحياة.
ووفقا لبينارد-Benard (1991) فإن خصائص المرونة هي الاستقلالية وحل المشكلات والمهارات الاجتماعية والتخطيط للمستقبل. ويسلط كريمر-Kramer (2000) الضوء على خصائص الذكاء والإبداع والخيال. ومع ذلك، يرى فيرّاريس-Ferraris (2003) أن هناك اتجاهين للمرونة، أحدهما استباقي والآخر بأثر رجعي. الأول يتعلق بأولئك الذين يعتبرون الأحداث الجديدة فرصًا قادرين على فهم جوانبها الإيجابية والسلبية. فالفرد المرن يعتقد بقدرته على تحقيق ما يهدف إليه ويشعر أنه يستطيع الاعتماد على قدراته الخاصة، أما الثاني فيتعلق بأولئك الذين يميلون إلى إسناد الأمور للسلبية، ولديهم قدرة ضعيفة على التحكم في الأحداث الجديدة..
حدد بيرنز - Burns (1996) أربعة مجالات فيما يتعلق بمفهوم المرونة:
1. المجال الأول: هو الاستقلالية- autonomy المؤلفة من احترام الذات-self-esteem، أي التقييم الذي يجريه الفرد فيما يتعلق بخصائصه الشخصية- personal characteristics، وكذلك مقارنتها بخصائص الآخرين والحكم على نفسه- judging himself؛ الكفاءة الذاتية- Self-efficacy، أي الميل إلى الشعور بقدرة أكبر أو أقل على حل مواقف معينة، ومركز التحكم الداخلي- locus of control، وتفسير الأحداث وعواقب أفعال الفرد بناءً على عوامل داخلية، وليست مستمدة من البيئة أو الأشخاص الآخرين. ولذلك يتم الاعتراف بالمسؤولية عن الأحداث وتشجيع التخطيط؛ والاستقلالية، والميل إلى التصرف مع الحفاظ على الولاء لقيم الفرد دون السماح لنفسه بالتأثر بحكم الآخرين؛ الدافع والقدرة على الاحتفاظ بالموارد الداخلية والخارجية من خلال المضي قدمًا ومواجهة الصعوبات؛ الأمل، والتفكير في أن الأحداث يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها من خلال قوة الفرد، وهذا يؤدي إلى تقييم المواقف غير المتوقعة على أنها إيجابية.
2. المجال الثاني: هو مجال حل المشكلات- problem solving، والذي يتكون من التفكير النقدي الذي يسمح لك بالنظر إلى الواقع من خلال تحديد قضاياه وموارده الحرجة؛ والتفكير الإبداعي ومعرفة كيفية إنتاج أفكار ووجهات نظر جديدة؛ والتخطيط وتحديد الأهداف والاستراتيجيات الملموسة لتحقيقها؛ والقدرة على إحداث التغييرات والتخطيط لمستقبل الفرد من خلال الفرص التي توفرها لنا البيئة.
3. المجال الثالث: المهارات الاجتماعية- social skills، يتضمن المسؤولية، وأن يكون شخصًا نشيطا وتشاركيا من خلال تحمل المسؤولية عن أفعاله، والمرونة والقدرة على التفاوض دون مراوغة.
-Flexibility and ability to negotiate without evasion؛ التعاطف- Empathy الذي يسمح لنا بالتواصل مع مشاعر الآخرين؛ مهارات التواصل-Communication skills، والتي تندرج ضمن القدرة على الدخول في علاقات مع الآخرين وفهم نواياهم وعواطفهم؛ روح الدعابة والقدرة على الحفاظ على الابتسامة رغم الشدائد. وأخيرا، في المجال الأخير للنوايا والمستقبل نجد وضوح الأهداف، والنجاح، والدافع، والتطلعات التعليمية، والتوقعات القوية، والمثابرة، والأمل والتماسك.
أحد النماذج الأساسية المستعارة من الدراسات في مجال الرياضة، هو نموذج الشخصية المقاومة model of -resilient personality Trabucchi's (2000)، والذي يشير إلى بعض الخصائص النموذجية للشخص المرن، والتي تم تحديدها لدى الرياضيين: الشعور بالسيطرة، والتسامح مع الإحباط، والقدرة على إعادة الهيكلة المعرفية، بالإضافة الى الأمل والتفاؤل. تشير هذه الخصائص إلى الالتزام الذي يبذله الفرد عندما يتعين عليه مواجهة حدث معين يرى أنه من الصعب إدارته.
يشير مركز السيطرة-locus of control (Rotter, 1966) إلى أنه السيطرة على دفة حياة وقيادة الفرد لذاته تستمد، إذا تم مزجها مع عوامل الحياة الأخرى، وأنّ هناك أساليب قيادة مختلفة:
الأسلوب المرن-Flexible method، تستمد الذات النجاح من التزامها والفشل من عدم الالتزام.
الأسلوب الاكتئابي-depressive style، يعزو الشخص النجاح إلى أسباب خارجية، بينما الفشل إلى قلة قدرته ومواهبه.
أسلوب الإنكار-Denial method، عكس الأسلوب السابق تماما.
أسلوب البيدق- Pawn method، يعزو كلا من النجاح والفشل إلى أسباب خارجية.
أسلوب الموهوب-gifted person، ينسب النجاح للموهبة والفشل لقلة الموهبة. اسنادا لما ذكر، فإن معتقداتنا عن السيطرة والالتزام الذي نتبعه في مواقف معينة، يمكن أن تعزز المرونة أو تضعفها. وفيما يتعلق بالتسامح مع الإحباط، والذي يمكن وصفه على المستوى المعرفي بأنه خيبة الأمل للتوقعات، فمن الممكن تعزيز قدرتنا على إدارة الانزعاج، من خلال تثقيف وإدارة نظام التوقعات لدينا، لوضع أهداف أكثر واقعية وتوجيه قواتنا نحو أكثر واقعية. طريقة ملائمة لقدراتنا حتى لا نختزل في تفاؤل يومي غير واقعي. وبالرغم من كل هذا، من المهم أن نأخذ في الاعتبار أن الإحباط ليس سلبيًا بشكل علني لأنه يحشد الدماغ لإيجاد استراتيجيات جديدة للتغيير. وبالمثل عندما نواجه الفشل، من الضروري أن نكون قادرين على تنفيذ إعادة الهيكلة المعرفية التي تسمح لنا بإيجاد العناصر الإيجابية للحدث من خلال تعديل الطريقة التي نلاحظها ونتصورها، والتعلم من الخبرة وإدارة الأخطاء وليس فقط كما نتصورها. وأخيرا، فإن تعلم التفاؤل يعني تعلم أسلوب معرفي يمكن من خلاله تصور الشدائد باعتبارها ساحة تدريب للحياة، بالاعتماد على قدرات الفرد الذاتية. ويتضح مما سبق أن المرونة مفهوم متعدد العوامل لأنه مستمد من عوامل بيولوجية ونفسية وبيئية، ولكنه أيضًا عملية ديناميكية لأنه إذا كان فطريًا جزئيًا فإنه يتأثر إلى حد كبير بالخبرة والنهج الذي ننظر به إلى العالم يوميًا.
نصائح لبناء مرونتك بحسب APA (2020)
بناء العلاقات
إعطاء الأولوية للعلاقات
أن تكون جزءًا من مجموعة
تعزيز الرفاهية
الاعتناء بجسدك
ممارسة اليقظة الذهنية
تجنب سلوكيات التنفيس السلبية
العثور على الهدف
مساعدة الآخرين
كن استباقيًا
احتضن أفكارا صحية
انظر إلى الأشياء من المنظور الصحيح
تقبل التغيير
حافظ على منظور مفعم بالأمل
تعلم من الماضي
اطلب المساعدة
موقع الجليل للخدمات النفسية
د. محمود صبحي سعيد
Bibliografia
Antonovsky A.,1980, Health, stress and coping, Jossey Bass, San Francisco
Antonovsky A., 1987, Unrevealing the mistery of health: How people manage stress
and stay well, Jossey Bass., San Francisco
Benard B., 1991, Fostering resiliency in kids: Protective factors in the family, school
and community, Western Center for Drug-Free Schools and Communities, Portland
(OR)
Bronfenbrenner U., 1979 Ecologia dello sviluppo umano, Il Mulino, Bologna
Burns E. T., 1996, From risk to resilience: A journey with heart for our children, our
future, Marco Polo, Dallas
Cramer B., 2000, Cosa diventeranno i nostri bambini? Raffaello Cortina, Milano
Cyrulnik B., 2001, I brutti anatroccoli, Frassinelli, Milano
Cyrulnik, B. (2009). Resilience: How your inner strength can set you free from the past. Penguin UK
Garmezy N., 1993, Children in poverty: Resilience despite risk. Psychiatry, 56: 127-
136
Kobasa S.C., 1979, “Stressful Life Events, Personality and Health: An Inquiry Into
Hardiness”, Journal of Personality and Social Psych, 37:1-11
Kumpfer K.L., 1990, “Factors and Processes Contributing to Resilience”, Resilience
and Development: 179-224
Lazarus R. S., Folkman S., 1984, Stress, appraisal and coping, Springer, New York
Maddi S., 2005, Resilience at Work, AMACOM, NewYork
Malagutti E., 2005, Educarsi alla resilienza, Centro Studi Erickson, Trento
Richardson G. E., Neiger B., Jensen S., Kumpfer K., 1990, “The resiliency model”
Health Education, 21:33-39
Richardson G. E., 2002, “The metatheory of resilience and resiliency”, Journal of clinical psychology, 58:307-321
Richardson GE. The metatheory of resilience and resiliency. J Clin Psychol. 2002 Mar;58(3):307-21. doi: 10.1002/jclp.10020. PMID: 11836712
Rutter M., 2007, “Resilience, competence, and coping”, Child Abuse Neglect, 31:205-
209
Trabucchi P., 2000, La preparazione mentale agli sport di resilienza, Elika, Cesena
Werner E., 1993, “Risk resilience and recovery: Perspectives from the kauai longitudi-nal
Study”, Development and Psychopathology, 5: 503-515
Wolpe J., 1969, The practice of behavior therapy, Pergamon, New York
للطباعة أدخل على هذا الرابط
https://algaleel.com/pics/231219115857.pdf