نشرة لنصائح نفسية خاصة
بمواجهة جائحة كورونا
الى أهلنا الكرام
في وطننا العربي
وفي كل مكان
سلام وتحية طيبة وبعد..
أيها الاخ الكريم والاخت الكريمة
والطفل الحبيب والطفلة الحبيبة. تتطلب منك الحاجة إلى قيود لحرية التنقل، الالتزام
بما ينصح على الصعيد الصحي والأمني وعلى التنشئة الاجتماعية. عليك كذلك العزلة وأن
تبقى هادئًا وأن تكون واضحًا ، وأن تتطلع إلى الأمام وتفكر في أن الوقت يمر بصعوبة
بانتظار تحسن الحالة والأشياء والعودة للحياة الطبيعية المعتاد عليها سابقا. كيف
هو العيش بأوقات الفيروس
التاجي كورونا ؟!. شيء جديد وعيش غريبا. الفترة ليست سهلة. منذ ما
يزيد عن 14 أيام في شهر آذار مارس 2020 ، انضم الكثير للعيش بإغلاق قسري وطوعي
لمئات الآلاف وحتى الملايين في العالم.
غموض وترقب, ملل وضيق, حزن وغضب. إلى متى ؟!. كلنا بانتظار الفرج.
قامت السلطات التنفيذية في كل بلاد العالم
والنقابات بتفعيل نفسها, لنشر بعض المبادئ التوجيهية لمواجهة الوضع الذي يشرك
الجميع بشكل أفضل. كما ارسلت توجيهات من الوزارات المعنية بمواجهة الجائحة وبصحة الجمهور الواسع. لقد التزمنا نحن في مراكز
الخدمات النفسية في البلاد تجاه مدراء المدارس والحضانات والروضات بتقديم الخدمات
عند الحاجة, كما زودناهم بكل ما اوتينا من مواد مكتوبة وصوتية ومرئية لنشرها
للطلاب والاهالي, التي من شأنها افادتهم على جميع الاصعدة.
كلنا نخوض
أزمة الفيروس التاجي (كورونا) نتفاعل ونجتهد. لقد بدأت في أنفسنا مسارات عدة ولا
ندري لأين تنتهي. لكننا جميعا اهالي ومسؤولين واختصاصيين نفسيين تقع علينا مسؤولية
اكثر من غيرنا من الناس, بحكم مسؤوليتنا ومهنتنا الانسانية الواعية. المطلوب من
حسن التدبير وحسن التعامل معها ومع انفسنا وإدارة انفعالنا ووجداننا جيدا, لأننا
بطبيعة عملنا نمثل نماذج تبين كيفية إدارة الازمة نفسيا وجودة التعامل معها, ومن
ثم احسان التدبير بالدائرة الاولى وهي الأسرة والأقرباء, انتهاءا بالدور المهني
المسؤول الذي يفيد الآخرين
بالنصيحة
والتوجيه. أرسلت الكثير من البيانات والتوجيهات من الوزارات وكلها جيدة, لكنها اصبحت
زائدة. كما قالت العرب "تزاحم الأفكار مفسده للفهم".
كلنا وبجهودنا
المرئية وغير المرئية مجتمعون, مجالس محليه وبلديات بأقسامها المختلفة وجميع
المؤسسات والجمعيات والفعاليات , بهدف الدعم كل بمجاله لتخطي هذه المحنة الكبيرة.
لكننا نعلم علم اليقين, ان العبء الاكبر حجما هو على كاهل الاهل والوالدين. انا
نشعر معكم حقا ونجلكم ونقدر ما تقدموه لأبنائكم ولبلدكم بالتعاون لإنقاذ الجميع.
نرى كاختصاصيين نفسيين, من حرص على نفسيات ابنائكم, ان نوصل اليكم هذه النصائح من
خلال هذه النشرة.
السؤال: ما
هو دور الوالدين تجاه الأطفال بالحالة الطارئة ؟
المطلوب من الوالدين هو مرافقة
الابناء وتوجيههم ودعمهم. ان يكونوا حاضرون كاملا بأجسادهم وبأنفسهم. عليهم هم
أولا قبول الظرف الحالي وعيش هذه التجربة مع القدرة على التعامل مع ذاتهم ووجدانهم
بمهارة من جهة والقدرة على التماهي والشعور مع ابناءهم من جهة أخرى. لماذا ؟ , لانهم هم المسؤولون. نعم ندرك صعوبة
دور الاهل بهذا الظرف, لكن الامر يتطلب ذلك حتما, فلا احد سواهم سيقوم بدورهم,
فإما القيام به واما احداث ضرر للأبناء.
تختلف وقع الاحداث والمواقف على النفس البشرية من انسان لآخر. منهم من
ينكر بشدة هذا التهديد بالعدوى والموت من الفيروس ويتصرف وكأنه غير موجود البته
ويتصرف بصورة المظاهرة والمسرحية (يجب التنويه ان بعض المراهقين يميلون لهذا),
ومنهم من يبالغ بحرصه ويسلك سلوكا موسوسا مع الشعور بالرهاب والخوف الشديد فيتقوقع
ويبتعد متطرفا بشدة. فهذه وتلك هي ردود افعال لا تتوافق مع الحدث من منظار الصحة
النفسية. التوافق يكمن بالاعتدال والعقلانية. الاعتدال السلوكي: نعم يجب
الاخذ بنصائح المتخصصين بعلم الاوبئة والطب, والتصرف بحسب هذه النصائح كاملا. الاعتدال
الفكري العقلاني: اخذ المعلومات عن الفيروس وكيف ينتقل وكيفية الوقاية من ذلك
من مصادر موثوقة, لذلك من الجيد الاعتماد على البيانات والاتصالات التي تنشرها
السلطات العامة ومؤشرات الحذر والوقاية الواردة فيها. مثل منظمة الصحة العالمية, وزارة
الصحة والعلماء والاطباء, والتصرف بحسب ما تشيره المعلومات, دون التضخيم والمبالغة
وتخيل الكارثية. نحذر من الانجرار الى كل مسموع او مرئي من المعلومات المغلوطة,
والتي من
خلالها تصبح المشكلة الموضوعية
للفيروس التاجي يمكن أن يتم تشويه تصور الخطر وتضخيمه ليؤدي إلى حالات الذعر التي
لا تكون مبررة على الإطلاق تقريبا ، بل تزيد من المخاطر لأنها تؤدي إلى سلوكيات
أقل عقلانية وتخفيض دفاعات الجسم ، بما في ذلك جهاز المناعة والدفاعات البيولوجية.
أما الاعتدال الوجداني العاطفي: هو نعم
الشعور بقلق او حزن او غضب او ضغط نفسي او توتر, لكن شعورا وسطيا يمكنه من التعامل
مع نفسه وغيره وليس الحاد المكبل والمؤدي للخنوع والتجمد. كما قال النبي محمد صلى
الله عليه وسلم "خير الامور اوسطها". على كل واحد منا ان يدرك ويفهم ما
يدور, ليتسنى له التعامل مع الظرف الحالي.
إن الحدث الطارئ يعرقل بالتأكيد
الشعور بالاستمرارية الحياتية ، وقد يؤدي لردود أَفعال غير اعتيادية, الامر الذي
قد يؤثر على انتظام حياتنا اليومية ومدى
تأقلمنا السليم لمواجهة هذه الأحداث.
يعلمنا علم النفس العيادي والأسري بأن
الأهل يمثلون نموذجا أوليا هاما يقتدى به الأبناء, ويشكل مصدر إلهام لتعزيز قدرتهم
على التأقلم والتكيف السليم واكتساب المهارات المناسبة لمواجهة حدة الأحداث. كما
أثبتت الأبحاث بعلم نفس الطوارئ أن لكيفية مواجهة الأهل للأحداث الطارئة والصادمة
أثرها على أَبنائهم, فمن شأنها أن تساعد على تخفيف حدة ردود الأفعال عندهم. يمكنكم
رؤية بعض من الأعراض التي من الممكن أن تظهر على أبنائكم, حيث تأخذ أشكالا مختلفة
وأنماطا غير عادية او غريبة او لا تندرج
ضمن سلوكياته المعتادة. تلك هي ردود افعال صدمية, القصد هنا لردود افعال بسبب
الشعور بالصدمة والخوف. لمن المهم ذكره هنا, ان هذا الامر هو طبيعيا بهذا الظرف
المهدد, حيث يصبح امرا غير طبيعيا ومرضيا, عندما يستمر بالظهور لما يزيد عن 6 أشهر
بعد نهاية كورونا والقضاء على هذا الوباء (غير المقصود اعراض الاصابة بفيروس
كورونا, منعا للالتباس). اليكم بعض الردود الصدمية والتي من الممكن رؤية بعضها على
الابناء وتعد عادية بهذا الظرف:
·
أعراض
جَسدية: احساس بثقل بالصدر، دقات قلب قوية او سريعة، خدر، جفاف
بالفم، الاحساس بعدم التوازن, دوران، صعوبة
في بلع الطعام او الشراب، رجفة والخ..
·
·
·
أعراض
وجدانية (عاطفية): بكاء، خيبة أمل، رهاب
وخوف شديد، شعور بالقلق, شعور بفقدان السيطرة، شعور
بخيبة الأمل او اليأس، الشعور بالذنب، الشعور بالإحباط, الشعور بالعجز وعدم
الأمان, الذهول والصدمة, الشعور بتوتر وضغط نفسي, الشعور بغضب, ..
·
أعراض
سُلوكية: الرغبة بالتحرك دائما، استخدام
الأدوية، تجنب الحديث، ضحك غير مسيطر عليه، الانزواء، التعلق الزائد..
·
أعراض
ذِهنية: فقدان القدرة على التركيز، شرود,
ازدحام الأفكار مع كثرة الكلام.
عليكم الأخذ بعين الاعتبار ان ردود
الأفعال وآليات المواجهة, تختلف من شخص لآخر، بسبب الفروق الفردية الطبيعية عند
الناس, ووفقا للمرحلة العمرية والتجربة الشخصية لهم. كما يختلف الأولاد بمدى
مشاركتهم وتعبيرهم عن تجربتهم مع الحدث. من هنا على الأهل احترام مشاعر الأبناء
والإصغاء لهم وإعطائهم الفرصة للتعبير عن ذاتهم، بالطريقة السلمية والمريحة
المناسبة لهم.
لمن الجدير ذكره, أن الناس يميلون
للامتناع عن مشاركة غيرهم بتجربتهم الشخصية مع الأحداث المزعجة والصادمة، مع العلم
أن الأبحاث والتجارب المهنية تفيد بأن المشاركة والتعبير عن التجارب الصادمة هو
الرد الصحي الموصى به. حيث تبين أن للامتناع مردودا سلبيا على النفس والذي يكون
سببا مركزيا بتطوير اضطرابا نفسيا حادا, كما أن الاستمرار بالامتناع يفضي الى
تكوين اضطراب ضغط ما بعد الصدمة تحديدا.
نود الاشارة الى أن أحد الطرق لمواجهة الحادث الطارئ, والمتبعة
بالعلاج النفسي للمصدومين نفسيا, هو عيش التجربة من جديد من خلال تخيلها والتحدث
عنها تفصيلا وترك الذات بأن تشعر وتحس التجربة, دون وقف أو إنكار. إن التعبير عن
الذات، عن طريق الحديث أو الرسم أو الكتابة، يدخل الولد إلى انسجام ويهدئ من روعه.
فمن المهم الجلوس معه وإعطائه حيزا للتعبير عن تجربته ومشاعره وأحاسيسه. كذلك
تفهمه وطمأنته, من خلال إشراكه بما حصل, وإعطائه معلومات واقعية وتعليمات وقائية.
كما نضيف هنا، أن لتدخلكم وتفهمكم واحتوائكم لأبنائكم مفاعيل ومردودات أخرى جيده
للنفس فمنها: المساعدة على التفريغ النفسي والتخلص من شحنات انفعالية سلبية, إعادة
التوازن النفسي, المشاركة الوجدانية, التقليل من القلق
والخوف, إعطاء الرسائل أن الجميع مهتم
بهم وأنكم مجموعة مترابطة وهم ليسوا أفرادا غيرا مهتما بهم, وبالتالي كل ذلك يسرع
من إعادة التكيف عند أبنائكم في البيئة وفي المدرسة فيما بعد.
نصائح على الصعيد الفردي بحالات
الطوارئ قدر الامكان وبالرغم من الطارئ:
1.
تنظيم الوقت
والبرمجة اليومية.
2.
الالتزام بساعات أكل محددة (روتينية ).
3.
النوم ساعات
كافية.
4.
ممارسة
الرياضة.
5.
استعمال
وممارسة وسائل الاسترخاء.
6.
أن يكون
فعالا ومؤثرا بنطاق الممكن.
7.
محاولة
اكتساب معلومات وفهم ما يجري من حوله, من شأنه تهدئة الشخص ووضعه بمكان فيه فهم
ووضوح وشعور بسيطرة أكبر.
8.
لا تحاول
تهدئة القلق من خلال مطاردة المعلومات التي يتم تضخيمها وغير المنضبط التي يتم
تشغيلها على الدردشات والمواقع غير الرسمية. أوقف "السلاسل" على وسائل
التواصل الاجتماعي.
9.
تصرف وقائي
معتدل بعيد عن طرفي اللامبالاة والوسوسة.
10.
التحلي
بالتفائل والتسليم لله وامره المفعول (لمن يؤمن).
11.
بناء الزمن.
عمل تخطيط يومي. كيف تقضي ساعات اليوم.
12.
عدم مشاهدة
الاخبار كل اليوم وترك التلفاز مشغل. بل فقط سماع الاخبار مرة او اثنتين.
توجيهات للوالدين للتعامل مع الابناء:
1. حفاظ على الهدوء. بالرغم من دوره
الصعب. فعليه ان يقوم بدور الداعم , المتفهم والمساعد للآخر , في حين انه هو يمر
بحالة الطوارئ , وهو بحاجة لما ذكر كذلك .
2. قل الحقيقة ، بطريقة
بسيطة ، دون إضافة تفاصيل غير ضرورية وبكلمات مناسبة لعمر طفلك.
3. تعرف على مشاعرك ، أولاً وقبل كل
شيء بداخلك ، ثم في طفلك أو ولدك. لا تنكر أنك تخاف. ربما يمكنك تغيير المصطلح.
يمكنك أن تقول "أنا قلق" بدلاً من "أنا خائف" ، لكن لا يجب أن
تقول أنه ليس هناك ما تخاف منه. هذا ليس صحيحا. هذا خداع وستدركه عواطف ابنك.
4. اعكس واجعل طفلك يعتقد أن الخوف
يمكن أن يكون مفيدا. يمكن أن يعمل على حمايتنا ، والبحث عن حلول. الخوف من العدوى
يقودنا إلى غسل أيدينا بدقة أكبر. يمكننا بالتالي أن نتعلم ألا نخاف من الخوف.
يمكن أن يتحول غسل أيدينا أو ارتداء قناع أو رؤية أشخاص يرتدونها أو الابتعاد عن
الآخرين أو عدم الذهاب إلى المدرسة لفترة معينة من فرصة الخوف غير المنضبط إلى
إشارة بأن لدينا أدوات للتعامل مع الموقف.
5. استمع لطفلك. دعه يتكلم. امنحه الطريق
(والوقت!) للتعبير عن نفسه. هذا صعب للغاية ولكن كما قلت بالفعل ، هو قلب كل شيء.
إذا ألقيت خطابا مدته عشر دقائق عن الفيروس التاجي (كما هو الحال في أي موضوع آخر)
وكان ابنك صامتا لمدة عشر دقائق يستمع إليك ، فسيكون هذا قليل الفائدة. ليست
الدروس والخطب هي التي تساعد بالتعرف على عواطفنا وإدارتها.
6. حاول قدر المستطاع أن تجعل فضيلة الضرورة
هي الطريق. هل علينا البقاء في المنزل ؟ . جيد فلنلعب معا. لنشاهد فيلما معا ونعلق
عليه معا. نتكلم بدون عقارب الساعة ومخاوف يومية. لا نطلب من أي شخص أن يكون
بوكاتشو ، الذي أخرج بفترة وباء الطاعون
مائة قصة, أغنت تاريخ الأدب الإيطالي ، ولكن يمكن للجميع الاعتماد على عالمهم الداخلي
للحظة من المشاركة ، لابتكار قصة خرافية لابنك
توصل له معان مفيدة بهذا الظرف الخاص. نعم لك خيال خاص.
7. اطلبوا من اطفالكم ان يرسموا رسومات حره كل يوم. ارسموا معهم, لونوها معا.
8. فعالية
للأطفال الصغار بهدف التغلب على الخوف من فيروس كورونا:
ا. اطلب من
الطفل أن يرسم فيروس كورونا.
ب. من ثم
اضافة شخص بجانب الفيروس وكيف يشعر هذا الشخص مع هذا الفيروس.
ت. ثم اضافة
شخص او شيء يزيد هذا الانسان قوة وهكذا يشعر بطمأنينة أكثر. ثم اثن على عمله
ودعمه.
نهاية نريد ان نذكر أن أي تعرض
للفيروس ليس مرادفًا للمرض ، وأن العدوى لا تعادل الخطر الحقيقي على صحة الإنسان ،
وأن هناك مؤشرات عملية للحد من الخطر. إن وجود مخاوف هو أمر طبيعي ولكنه ليس كربًا
أو ذعرًا ، وهو ما لا يساعد ويؤدي إلى نتائج عكسية.
تنفيذ النصائح يمكن أن يدعم الحالة
النفسية لك وليس فحسب بل لأولئك الآخرين أيضًا ، وذلك سيؤدي إلى حدوث دائرة فاضلة
، وزيادة "حاصل المرونة" للأفراد ، والأسرة ، والمجتمع.
لا تنسوا إن شعرتم بعدم القدرة على
مواجهة ما يحصل عند ابنكم، انه بإمكانكم التوجه للاستشارة المهنية, عند الاختصاصي
النفسي في المدرسة أو المستشار التربوي أو التوجه لمكتب الشؤون الاجتماعية.
اللهم اجعلنا من الذين يقولون فيفعلون
ويفعلون فيخلصون ويخلصون فيقبلون والله ولي التوفيق
نسأل الله
تزويدنا بالقوة لنتخطى هذه المحنة.
د. محمود صبحي سليم سعيد
متخصص بعلم النفس التربوي والعلاجي
والصدمي