الإكراه على التكرار أو التكرار القسري Repetition compulsion

الإكراه على التكرار أو التكرار القسري  Repetition compulsion - Repetitive compulsion

تلخيص واعداد د. محمود سعيد

يستخدم مصطلح "الإكراه على التكرار" بشكل شائع في الطب النفسي الوصفي وكذلك الديناميكي للإشارة إلى الميل لأداء أعمال نفسية من منطلق حاجة داخلية لا تقاوم، والتي ضدها لا يمكن للمنطق والإرادة فعل أي شيء، ويمكن للظاهرة أن تتجلى فقط في جانب الفكر بالإضافة إلى السلوك بشكل عام.

وفقًا لمصطلحات التحليل النفسي، فإنّه يشير إلى خاصية اللاوعي التي تحافظ على بعض الخصائص الأساسية دون تغيير خارج الديناميكية الصراعية نفسها أو حتى ضدها؛ بعبارة أخرى، يميل اللاوعي إلى توازن محافظ.

في العلاقة التحليلية تتجلّى هذه الآلية عندما يحاولُ المريضُ دون وعي، من خلال استنساخ المواقف غير المرغوب فيها في العلاقة مع المُعالِج، تخريبَ العلاج، أو إعاقةَ تقدمه أو قطعه قبل تنفيذه.

من الجيد التمييز بين "التكرار" و"الإكراه على التكرار"؛ ففي الحالة الأولى يحدث هذا كظاهرة مرتبطة بالنمو الحركي والعقلي للطفل في عملية التعلم. أثناء الأنشطة المرحة، يستخدم الأطفال التكرار لإتقان تجربة الخسارة أو الأحداث المؤلمة التي عانوا منها بسبب انعكاس الأدوار، أي من الوضع السلبي إلى الوضع النشط.

في هذا الصدد، لاحظ سيغموند فرويد أنّ حفيده البالغ من العمر عام ونصف، بدلاً من البكاء عندما غادرت والدته، كان يلعب عن طريق دحرجة بكرة يمكن أن يرسمها إليه عن طريق سحب الخيط الذي كان يلفه. من خلال لعبة الاختفاء هذه وظهور البكرة مرة أخرى، كان قادرًا على تحمل الانفصال، وفي الوقت نفسه، انتقم من والدته عن طريق إزالة البكرة بنفسه.

بالنسبة لفرويد، ظهر التكرار في جميع الأعراض السريرية، حيث فهمه العَرَض على أنه تكرار في الحاضر، وفقًا لطرائق متكررة مختلفة، لمحتويات الماضي اللاواعية التي اعتبرها الضمير غير مقبولة. بدءًا من هذه المقدمات، تصور آلية التثبيت أو الإزالة، والتي سيسمح تكرارها بإعادة المحتويات المرفوضة.

في العملية العلاجية، تجلّى هذا من خلال التحويل، كتعبير عن الصراع المكبوت الذي كان يعيد تنشيط نفسه في العلاقة مع المحلل. في هذا المجال من البحث، حدّد فرويد الظاهرة المعقدة، التي عُرِّفت بأنّها الإكراه على التكرار، والتي تبلورت منها التوضيحات اللاحقة التي توجت بصياغة مفهوم "غريزة الموت". هو نفسه عرّفَ الإكراه على التكرار على أنّه "العملية اللاواعية ذات الأصل اللاواعي، حيث يضع الشخصُ نفسَه في مواقف مؤلمة، وبالتالي يكرر التجاربَ القديمةَ دون أن يتذكر النموذج الأولي".

ما يفرض على فرويد مفهوم الإكراه على التكرار، كمفهوم مستقل عن التحليل المعتاد للعصاب، هو الصفة الفريدة والمدهشة للظواهر التي يعاينها: يميل الذات إلى التكرار بشكل إلزامي، في الحياة اليومية وفي نفس العلاقة مع المحلل (التحويل)، التجارب التي تتناقض على ما يبدو مع نزعته الأساسية لإرضاء الرغبة، ما يسمى بـ"مبدأ المتعة".

أدّت انعكاسات فرويد لاحقًا إلى ربط هذه الآلية بالحركات الغريزية. حقيقة اعتبارها معتمدة على الدوافع، دفعته إلى تأطيرها على أنها جانب من جوانب الحياة النفسية ذات الطابع الشيطاني. لم يعد "الإكراه على التكرار" مجرد الآلية التي يتم من خلالها استبدال الذاكرة بفعل، ولكنه سيمثل بحد ذاته شيئًا متضاربًا ستظهر ذاكرته على أنها "مزعجة". بالنظر إلى "الإكراه على التكرار" كتعبير عن دوافع أخرى غير الدوافع الجنسية، والتي تم تعريفها، على النقيض منها، محركات الموت، تسمح لنا بمراقبة القفزة النظرية التي حققها فرويد بشكل مباشر؛ لأنّه في الفترة الأولى ظهر مفهوم التكرار على أنه مجرد وصفي، في الفترة الثانية اتخذ قيمًا وراثية وتفسيرية.

في نقطة التحول النظرية للفكر الفرويدي، لا يمكن للمرء أن يغفل الفترة التاريخية التي تطور فيها هذا الفكر؛ كانت تجربة فرويد الشخصية المتعلقة بسنوات الحرب العظمى والأحداث التي هزت أوروبا بعد الحرب ذات أهمية حتمية في التأثير على مفهومه للإنسان والحياة.

في نفس الفترة، ركّز كارل جوستاف يونج أيضًا اهتمامه على مفهوم إكراه التكرار، مدركًا أنّه بسبب بنيته البيولوجية الفطرية، فإنّ القوى تتصرف في سلوك الإنسان التي تحث الشخص غريزيًا على اتباع المسارات التي جربها بالفعل، وليس فقط من قبل الفرد. الآباء، ولكن حتى من قبل الأقارب من ماض بعيد جدًا.

وفقًا ليونغ، يؤثّر الأب والأم على مصير أطفالهم بمظهرهم الجسدي وميولهم؛ إنّ قضاء الحياة "المحاصر قسرًا في الدائرة السحرية للأبراج العائلية"، من خلال الإكراه على تكرار تجارب الطفولة، هو قوة شيطانية ليونغ.

في المقام الأول، يوافق على المفهوم الفرويدي للإكراه وبالتالي هذا الميل إلى التكرار، ولكن بينما في فرويد فإنّ سبب هذه الظاهرة يُنسب إلى غريزة الموت أي عدم الوجود، فإنّ يونغ يشير مفهوم الإكراه للتكرار إلى النموذج الأصلي: "لقد سميت النموذج الأصلي، كما يقول، النموذج الغريزي الموجود مسبقًا، أي نمط السلوك"؛ لذلك يرى يونغ أنّ تجسيد الإكراه يشير قبل كل شيء إلى الأب، ليس فقط إلى الأب الحقيقي، ولكن إلى "الصورة الأبوية" التي تحمل آثار الأنظمة المنظمة وتعود إلى ملايين السنين من التطور؛ لذلك يبدو مفهوم يونغ أوسع، حيث يتضمن في نشأة الظاهرة كل من البصمة الأبوية، وكذلك البنية الجينية الفطرية.

بالمقارنة مع الصدمة، يتمّ التعبير عن الإكراه على التكرار أيضًا في الأحلام المتكررة، أي تلك الأحلام التي تكرر نفسها لأشهر أو حتى سنوات؛ لأنّ الألم الناجم عن تجربة مؤلمة يكون شديدًا وضخمًا بحيث لا يمكن تهدئته بحلم واحد أو كابوس واحد.

يشرح فرويد الأحلام البائسة لمرضى "العصاب الرضحي" على أنّها تكرارٌ مستمرٌ للموقف المأساوي "كما لو كان هذا قبلهم كمهمة حالية لم يتم التغلب عليها". في هذا الصدد، يعتقد Sàndor Ferenczi أنّه في النوم "هناك احتمال أكبر لعودة الانطباعات الحسية التي لم يتم حلها، والمخبأة في الأعماق، والعنيفة للغاية.. التي تتوق إلى حل".

في الواقع، فإنّ الحلم الذي تتكرر فيه الأحداث المؤلمة يؤدي إلى "وظيفة الصدمة" في مهمته المتمثلة في استعادة الآثار الحسية والذكريات المحتجزة في الجسد، من خلال التجارب الحسية والجسدية.

ومن خلال هذا المنظور، فإنّ الإكراه على التكرار سيكون بالنسبة لفيرينجزي محاولة غير محدودة للسيطرة على حدث صادم لا يمكن دمجه ودمجها، وبالتالي فإنّ الهدف من التكرار هو التغلب على التمزق والانقطاع الناجم عن الصدمة، وإعادة إنشاء الاستمرارية المتقطعة.

 

Ferenczi S. (1934)، Reflections on trauma، in "Opere"، Cortina، Milan، 2002، vol. 4

Freud S. (1914) "Ricordare, ripetere e rielaborare". Trad. it., Boringhieri, Torino 1990, vol. 7, p. 355/56 ivi, nota 1, p. 355

Freud S. (1922) "Il perturbante". Trad. it., Boringhieri, Torino, 1992, vol. 9, p. 95

Freud S. (1920) "Al di là del principio del piacere". Trad. it., Boringhieri, Torino, 1992, vol. 9, p. 208

Jung K.G. "L'importanza del padre nel destino dell'individuo" (1909-1949), trad. it. Boringhieri, Torino, 1998, vol. 4

 

 

د. محمود صبحي سعيد

متخصص بعلم النفس التربوي والصدمي

موقع الجليل للخدمات النفسية

 http://algaleel.com/pics/220714143250.pdf