التفريغ النفسي بحالات الطوارئ - د. محمود صبحي سعيد – اختصاصي نفسي علاجي وتربوي ومدرب لعلاج الصدمة النفسية


التفريغ النفسي بحالات الطوارئ - Debriefing

CISD - Dr.Jeffrey Mitchell"Critical incident stress debriefing

د. محمود صبحي سعيد – اختصاصي نفسي علاجي وتربوي ومدرب لعلاج الصدمة النفسية

 

تعتبر تقنية " incident stress debriefing Critical" الصيرورة الوقائية الأكثر شيوعيا في أدبيات علم النفس للتدخل مع الأشخاص بعد تجربة صادمة. هذه التقنية وضعها ميشيل (1983)، وهو عضو في برنامج خدمات الطوارئ الصحية، التابع لجامعة مريلاند بلتيمور كاونتي، حيث أصدر كتابا اختص بالطوارئ وردود الأفعال النفسية في حالات الطوارئ، حمل اسم Emergency Response to Crisis"". عمل ميتشيل سيكولوجيا مرافقا لرجال الإطفاء وتخصص في التدخل وقت الأزمات، حيث تدخل في بداية طريقه مع مصدومي الطائرة التي تحطمت في سنة 1978 في سان دييجو.

 CISD هي تقنية وضعت تحديدا للتعامل مع أشخاص يعملون في خدمات الطوارئ, لاحقا تم تعديلها لتصبح ملائمة للتدخل مع مجموعات أخرى تعرضت لتجارب صادمة، مثل الناجون، المنقذون, ومجموعات زملاء العمل الذين ساعدوا في الموقع ولم يتضرروا مباشرة, وكذلك الأطفال الذين تعرضوا لتجارب صادمة مختلفة.

لاحظ ميتشل (1983) أنه يوجد أشخاص يعملون في خدمات الطوارئ يتمتعون بالقدرة على مواجهة أحداث صادمة متكررة، لكن في أحداث معينة كانت تبعث على ظهور ردود فعل انفعالية حادة عندهم، التي كانت تحد من أدائهم خلال الحدث وبعده. بعض من تلك الحوادث كان موت رفيق، كوارث مع أطفال، او بحالات التماهي القصوى مع المتضررين.

الأهداف الأساسية لـ - CISD كانت، حماية عاملي الطوارئ ودعمهم، التخفيف من ظهور اضطرابات كرد فعل غير طبيعي على الحدث، والتي تبدد الزمن والطاقات وتمس بمستوى الأداء المرتبط بالعمل وتؤثر سلبا على العلاقات داخل الأسرة.

أشار ميتشل (1983) في الأصل إلى استعمال التقنية بعد 72-24 ساعة من الحدث الصادم، لكنه أدرك سريعا ونبّه أنه من المستحسن إتباع المرونة في مسألة الوقت، وأكد على ضرورة استعمالها من قبل مهنيين عاملين في الصحة النفسية. كما أصرّ على استعمالها شريطة أن تكون جزءا من تدخل علاجي متكامل، وألاّ تستعمل بمفردها.

المقصود بالتدخل المتكامل:

1)   إعطاء معلومات للمهنيين عن الحادثة وأسبابها، وقد

        أطلق عليها ميتشل اسم" معلومات وقائية".

2)  تزويد معلومات عن ماهيّة القلق وأسبابه وعلاجه.

3) تقديم  دعم في زمن الحادثة.

4) متابعة المنتفعين Follow-up.( ينهى عن التدخلات

         لمرة واحدة).

5) تدخل أسري مرافق.

 

CISD صيرورة من سبع مراحل تستغرق من 2-3 ساعات.

المرحلة الأولى: والتي تأخذ أسم "المرحلة الإعدادية", تتم مناقشة دستور المجموعة وقوانينها، كذلك ماهيّة عملية التفريغ والتشديد على أهميتها. يتم تشجيع أفراد المجموعة على الاشتراك بدءا بعمل بيئة آمنة. يقوم المرشد بالشرح والتشديد على أن اللقاء ليس لهدف انتقاد ما جرى خلال الحدث، بل لتجربة مفيدة يتسنّى من خلالها للمشتركين التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم والتّعلم من تجاربهم المختلفة

المرحلة الثانية: وهي "مرحلة الأعمال", يتم فيها وصف ما حدث ونوعية التجربة والدور الذي تمثّل أثناء الحدث. تبادل المعلومات بهذا الشكل يساعد على توضيح طبيعة وتسلسل الأحداث، وفي محو وحذف كل ما هو مزيّف وافتراضي أو دخيل على كل ما هو حقيقي وواقعي.

المثال التالي يوضح ما ذكر من خلال تدخل علاجي مع امرأة في الأربعين من عمرها، من مدينة الخليل، كانت تعاني فكرا سلبيا، نتيجة حدث صادم مرت به مع ابنها البالغ من العمر أربعة عشر عاما. حيث كانت تقول لنفسها بأنها ليست أمّا، لأنه عندما كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار عليهما، كان ابنها هو الذي يقوم بحضنها وحمايتها وليس العكس. أما بعد عملية التدخل فقد تذكرت أنها كانت تقاومه محاولة بذلك احتضانه وحمايته من الرصاص. تذكّرها أدى إلى تخليها عن الفكرة السلبية، التي كانت تقيدها وتوترها، وطرأ تغير إيجابي عليها وفي نفسيتها.

"مرحلة الأفكار", يطلب من كل فرد أن يذكر ماذا كان فكره المسيطر في زمن الحدث.

المثال التالي يوضح ما ذكر من خلال تدخل علاجي مع فتاة تبلغ الرابعة عشرة من العمر، من سكان مدينة الناصرة، سيطرت عليها فكرة الموت الحتمي نتيجة تعرضها لإصابة بالغة في رأسها جراء سقوط شباك غرفة في المدرسة عليها. التدخل النفسي تمحور في إعلاء الوعي لديها، ومساعدتها على تغيير الفكر المسيطر المؤذي، إلى فكر واقعي وإيجابي أدى إلى الشعور بالارتياح وتخفيف حدة المعاناة.

 "مرحلة ردود الفعل", تعتبر المرحلة الأقوى من ناحية انفعالية, يسأل فيها الأفراد, ما هي العناصر أو المشاهد التي كان لها أثر أكبر عليهم, والتي تتسبّب في ضيق نفسي عندهم, ومع أيّ من هذه المشاهد كان من الصعب التعايش بعد انتهاء الحدث.

فيما يتعلق بالمشهد الصعب استمرارا لحادثة الفتاة، فإن تلطّخ وجهها بالدماء والذي أعاق الرؤية لديها كان هو الأصعب للتعايش معه.

"مرحلة العوارض", يطلب الحديث عن العوارض التي ظهرت أثناء الحدث, جسمانية كانت أو نفسية. الجسمانية تتمثل في عدم القدرة على الحركة جزئيا أو كليا، والشعور بارتفاع ملحوظ لحرارة الجسم، الشعور بالوهن، الضعف، فقدان السمع أو ضعف حاسّة أخرى. أما النفسية فتتمثل في خوف شديد يعيق القيام بأي شيء، توتر وقلق داخليين وشديدين لدرجة التجمد، ضبابية تعم الداخل الذي لا يستطيع إدراك أي شيء، الشعور في الخروج عن الكون والتواجد في مكان آخر، شعور بالاغتراب عن الشخصية وكأن هذه الشخصية لا تخصّه وغريبة عنه.

 "مرحلة التعلّم", يتم عرض وتوضيح لما هي ردود الفعل الطبيعية على القلق, تعليم أدوات مفيدة للتقليل من حدّة القلق, تساعد في تسريع الشفاء.

"مرحلة النهاية" وهي الأخيرة, يتم فيها تلخيص ما حدث، وطرح أسئلة أو معضلات برزت وبقيت مفتوحة, ثم الانتهاء إلى مداخلات أخيرة وعرض النتائج.

 فيما يتعلق بالمعضلات في مرحلة النهاية، فقد يتبادر لبعض المهنيين بأن على المهني امتلاك القدرة للإجابة على جميع التساؤلات، وإلاّ كان محرجا أمام المجموعة، هذا المنطق خاطئ وغير واقعي بتاتا من حيث المبدأ، فالمهني إنسان متخصص يعرف قدر ما استطاع اكتسابه، ومن جهة أخرى فمن المشروع جدا طرح تساؤلات دون حلول، والاكتفاء بعرضها ودراستها وتركها للمستقبل إلى حين معرفتها وتطبيقها لاحقا.

 

موقع الجليل للخدمات النفسية

د. محمود صبحي سعيد

اختصاصي نفسي علاجي وتربوي

ومدرب لعلاج الصدمة النفسية بتقنية

"التخفيف من تأثير الحدث الصادم"

Traumatic Incident Reduction 


للطباعةادخل للرابط التالي:

https://algaleel.com/pics/220726155056.pdf