المرونة والابداع - Flexibility creativity كينتسوجي: إصلاح الشقوق بالذهب – د. محمود صبحي سعيد
المرونة والابداع -
Flexibility creativity
كينتسوجي: إصلاح الشقوق بالذهب – د. محمود صبحي سعيد
يقال "في
الأزمات الكبيرة، ينكسر القلب أو يصبح أقوى" أو " الضربة التي لا تقتل
تقوّي". ويظهر ذلك عند الوقوف والتدقيق بتقنية
كينتسوجي --
Kintsugi 金継ぎ
اليابانية القديمة وهي تقنية لإصلاح الأوعية الخزفية المحطّمة، باستخدام الذهب
فيها للحام الأجزاء معًا. والمصطلح مشتق من كين (ذهب) وتسوجي (اتحاد)، ويعني
حرفيًا "الاتحاد الذهبي".
هنا نرى تمثيلا حيّا ومبهرا للعلاقة بين المرونة والإبداع. هذه الممارسة
الفنية تتيح لنا أن نفهم، ولو بشكل مجازي، ما هو الإبداع المرن في ظروف الطوارئ
والكسر. نسلط الضوء هنا على مفارقة الثقافات فيما يتعلق بالثقافة الشرقية من جهة والغربية
من جهة أخرى حيث يظهر الاختلاف بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، في الغرب غالبًا ما يكون هناك اتجاه لرمي الأشياء التالفة وشراء جديد بدلا منها، أو
محاولة إصلاحها دون ترك آثار، فالغرب مهتم بالعمل والإنجاز والبعد عن الألم والقديم.
وتشير هذه الأدلة أنه إذا تحركنا على المستوى الرمزي، فإن الانفصال والصعوبات
والندوب لا يشير إليها الخيال الجماعي الغربي إلا بطريقة سلبية. فالفرد المنغمس في
ثقافة تميل إلى اعتبار لحظات المعاناة أمرًا مؤسفًا، وتميل إلى منع كل شكل من أشكال
المشاعر السلبية، وترى الكفاءة الأدائية والنجاح هما القيمة الوحيدة التي يجب
السعي وراءها، يجد صعوبة في التفكير في لحظات الأزمة والحزن. وعلى العكس من ذلك،
تعلّم الفلسفة الشرقية وهنا بالتحديد اليابانية، أن كل قصة، حتى لو كانت مؤلمة، هي
مصدر للجمال، ويرى الألم كفرصة للنمو والتغيير.. في الواقع، كينتسوجي ليست مجرد
تقنية ترميم، ولكنها تتمتع بقيمة رمزية قوية. وهو يمثل كناية عن الكسور والأزمات
والتغيرات التي قد يواجهها الفرد خلال حياته. من المهم التأكيد على أن كينتسوجي
تمثل القطعة التي تم إصلاحها بالذهب تمجيدًا لجمال فريد، وإن كان مؤقتًا، حيث يمكن
دائمًا إعادة تشكيل القطعة بطريقة جديدة. وهذا يؤدي إلى تفكير مهم: على الرغم من
الحتمية التي تميز الوجود، يمكن العثور على الجمال على وجه التحديد في عدم الثبات.
ولذلك فإن كينتسوجي هو فن تعزيز الجروح ويمكن اعتباره شكلاً من أشكال العلاج
بالفن، الذي يدعونا إلى تجاوز الجروح من خلال تحويل رصاص الحياة إلى ذهب (سانتيني،
2018). يتّبع هذا الفن طقوسًا بطيئة ودقيقة مقسّمة إلى مراحل مختلفة، والتي يمكن
أن تمثل رمزيًا خطوات الوصول إلى إعادة الدمج المرن: الكسر، التجميع، الانتظار،
الإصلاح، الكشف. لذلك من الممكن القول إنه في هذا الفن الياباني يكمن جوهر المرونة
والإبداع الذي يُفهم على أنه اتحاد الجمال والولادة الجديدة، والاكتشاف والتغيير،
والتوازن والجد.
https://algaleel.com/pics/240828091051.pdf