كتاب "نزع الأشواك" دليل الاختصاصيين النفسيين للعمل مع الأسر المصدومة. العمل على وقاية النفس من وقع التجربة الصادمة وأثرها. تأليف: د. محمود صبحي سليم سعيد مدرب لعلاج الصدمة النفسية - 2023





نزع الأشواك

    دليل الاختصاصيين النفسيين للعمل مع الأسر المصدومة. العمل على وقاية النفس من وقع التجربة الصادمة وأثرها. 

تأليف: د. محمود صبحي سليم سعيد

مدرب لعلاج الصدمة النفسية 

تموز 2023


مقدمة:

قال تعالى "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". [البقرة:155]

إنَّ حياةَ الإنسانِ مُتقلّبة، فكما يوجدُ السلامُ توجدُ الحرب، وكما يوجدُ الأمنُ توجدُ المخاطر، بل إنَّ المخاطرَ جزءٌ من حياةِ بعضِ المجتمعاتِ ولا سيما تلك التي تتعرضُ للاحتلالِ والحصارِ أو الصراعاتِ الداخلية.

والمشاعرُ الإنسانيةُ المصاحبةُ لأيِّ كارثةٍ متشابهة، فالخوفُ والشعورُ بالضياع، والقلقُ، والتوترُ، والفضولُ، والأنانيةُ، وغيرُها من المشاعرِ الأخرى -على الرغم من سلبيتها- إلا أنَّها طبيعيةٌ في السياقِ العامِ للحدث.

ويركِّزُ هذا الدليلُ على الأسرةِ كوِحْدَة واحدةٍ مكوَّنة من مجموعةِ أعضاء، من خلال استعارةِ مفهوم "نَزْعِ الأَشْواكْ"، وهو العنوان الذي أردناه لهذا الدليل المهني؛ فالشوكةُ على الرغم من صغر حجمهما ودقَّتِه، إلا أنَّها صادمةٌ في لحظةِ اختراقِها لطبقةِ الجلدِ الأولى واقتحامها لطبقات أخرى بحسب حجمها.

وفي معظمِ الأحيانِ يتمُّ التعاملُ مع الشوكة بانتزاعِها وتعقيمِ المنطقةِ المصابةِ وينتهي الأمر، لكن في أحيانٍ أخرى ربما يُهملُ المصابُ الشوكة، أو ربما لا ينجحُ بانتزاعِها كاملةً فتبقى أجزاءٌ منها عالقة، وقد يكون المصابُ مريضًا بأمراضٍ أخرى تشكل بيئة خصبة لنشوء مضاعفات فتتدهورُ حالته ليصل الأمرُ أحيانًا إلى بترِ طرفٍ كاملٍ أو جزءٍ منه بسبب شوكة صغيرة!

في هذا النموذج المهني نُشبِّهُ الحدثَ الصادمَ الذي تعرضتْ له الأسرةُ بتلكَ الشوكةُ التي اخترقت الجسد، وكلما كان نزعُ الشوكةِ مبكرًا لتفادى وقوعِ أيِّ مضاعفاتٍ قد تحدث لاحقا، كذلك الأمر تمامًا مع التدخل العاجل والسريع بعد الحادث وفق الدليل المُقدَّمِ للحصول على نتائج إيجابية لصالح الأسرة.

وقد حرصنا أن يكون الدليل مبنياً على أسس علمية مدعمة بالدراسات والأبحاث الوصفية والتجريبية، إضافة لما تراكم لدينا من خبرة مهنية في مجال التدخلات الطارئة على الصعيدين الوقائي والعلاجي.

و قد وجدنا من المهم ربط الدليل باطار نظري يزود المختص و القارىء العادي بخلفية علمية عن علم الصدمة النفسية الذي يشهد تطورا واضحا في أدوات التشخيص و التدخلات نتيجة لما يعيشه العالم اليوم من أزمات متتابعة.

وينقسم الدليل الى خمسة فصول جاءت على النحو التالي:

 تناول الفصل الأول مدخلا نظريا لعمل الجهاز العصبي ، فيما تناول الفصل الثاني الأساس العصبي البيولوجي للعواطف ،  من خلال استعراض وظائف الجهاز الحوفي ، و العلاقة بين الذاكرة و الصدمة ، و دور اللوزة الدماغية في الاستجابة للحدث الصادم ، و الحدث الصادم كمثير و مسبب للضغط النفسي  و تشخيص اضطراب كرب ما بعد الصدمة استنادا على الدليل التشخيصي الخامس للاضطرابات النفسية ، و في ذات الفصل تم استعراض التدخلات النفسية الأولية من خلال الإسعافات النفسية الأولية كتدخل انساني يمكن للمختصين و غير المختصين القيام به .

بينما تم تخصيص الفصل الثالث لتناول المرونة النفسية كمهارة مطلوبة للوقاية من الضغط النفسي بالدرجة الأولى وكأساس يمكن البناء عليه للنمو الإيجابي بعد الصدمة، وهو ما عززه نموذج دونالد ميخنباوم والذي أطلق عليه تقنية التلقيح، وحيث أن الدليل يستهدف الأسرة، فقد تم تناول العلاج الأسري في نهاية الفصل الثالث مفهوما ومبادئ وتقنيات تساعد المعالج على فهم الإطار العام لهذا التدخل الجمعي.

أما الفصل الرابع فقد خصصناه بالكامل لعرض نموذج "نزع الأشواك"   للتدخل مع الأسر المصدومة

من حيث المفهوم والدعائم التي تؤكده، ومراحل التطبيق المتعاقبة، إضافة للتدخل المكاني والأشخاص المفترض أن يكونوا في المكان ساعة التدخل.

وعلى قاعدة القراءة النقدية المتعددة زوايا النظر تم تخصيص الفصل الخامس للنظر الى الدليل من زاوية الفرص والتحديات حتى يتسنى للمختصين توقع ما سيواجههم في طريق تطبيق الدليل.

ولإيماننا المهني العميق القائم على خبرة مهنية واطلاع على الدراسات والأبحاث الحديثة، حول ضرورة اهتمام مقدمي الخدمات والمعالجين بصحتهم النفسية، تم تخصيص الفصل السادس والأخير من هذا الدليل للرعاية الذاتية ومساعدة المساعدين والتفريغ النفسي للمساعدين، مدعمين ذلك بدراسات وتجارب ونماذج يمكن تطبيقها والبناء عليها.

ولم نغفل أن نخصص معرضا خاصا لعرض الحالات العملية ليتمكن مستخدم الدليل من الاطلاع على خطوات التطبيق ومقارنة ما تم تناوله في الجانب النظري وعكسه على الحالات المعروضة في نهاية الدليل.

لقد أردنا من خلال هذا الدليل أن نقدِّمَ للقارئِ المختصِّ والطالبِ في مجالِ العلومِ النفسية وحتى غير المختصين، أساسًا أوليًّا يمكن البناءُ عليهِ لتقديمِ التدخلاتِ المهنيةِ السريعةِ بعد حدوث الكوارث بأنواعها، آخذين بالحسبان أنَّ هناك تنوعٌ في هذه الكوارث، كما يوجد تنوّع في الصفاتِ التي يُطْلِقُها الناسُ على الأسرِ المُتعرِضِةِ للصدمةِ من هذه الكوارث، فهم ناجون، ومصابون، ومنكوبون، ولاجئون أحيانًا؛ تبعًا لنوع الكارثة التي حّلَّتْ بهم ، مع أننا نفضل استخدام مصطلح الناجين للمدلول الإيجابي لهذا المصطلح ، و دعمه لمواصلة حياته من جديد و النهوض بأدواره المجتمعية المختلفة .

ونحن نقدِّمُ هذا العمل للمكتبة العربية لنضيف إليها لمسةَ أملٍ جديدةٍ آملين بأن تزهرَ تعافيًا واستشفاءً للناجين أينما وجدوا، داعين كلَّ المختصينَ والباحثينَ والأكاديميينَ إلى إثراءِ هذا العمل، والبناءِ على الأسسِ التي أرساها، وتطويره بما يتناسب والمجتمعات والسياقات التي يتمُّ التدخل بها. نسأل الله التوفيق، وأن يجعل هذا العمل خالصا مخلصا لوجهه الكريم وان ينفع بنا وبكم بهذا العلم.

 

د. مـحـمــود صبحي سـعــيــد