سجل مهني للتدخل النفسي مع المحجورين او المصابين بفيروس كورونا - د. محمود صبحي سعيد - متخصص بعلم النفس التربوي والعيادي والصدمي

 

 

 

سجل مهني للتدخل النفسي مع المحجورين او المصابين بفيروس كورونا

 

 

اهلنا الأعزاء،

في اوقات المواقف الحرجة والازمات  يكافح الناس ليكونوا عقلانيين معتمدين على المنطق، لكن المشاعر الانسانية تلعب دورا أساسيا هنا، وقد يؤدي قلة درايتنا بإدارة هذه المشاعر الى افساد التخطيط  المنطقي للتعامل مع الازمة والمستند إلى الخيارات الواقعية. من هذه المشاعر الخوف وهو من اكثر ردود الأفعال  شيوعا في وقت التنبيه، حيث بالرغم من كون الخوف اساسيا للدفاع والبقاء; الا ان جرعات محدودة منه، بدون زيادة، تساعد بإنقاذ أنفسنا من المخاطر. نعم الفيروس التاجي صغير، بعيد المنال، غير مرئي للعين البشرية، غير معروف، سهل الانتقال وهذا يثير المخاوف العميقة. لكن تقبل الخوف وإدارته يوصلنا لوقائع تساهم بإنقاذنا.  لذا ، فلنرحب بإدراك الخوف، لأن هذا الشعور ينشطنا للدفاع عن أنفسنا. ولكن إذا لم نتمكن من إدارته من خلال النظر إلى الفيروس التاجي باعتباره مهدد، فإننا نخاطر بتنفيذ سلوكيات متهورة، محمومة وغير عقلانية. سلوكيات كهذه كانت منطقية في وقت العيش بالكهوف، أما الآن فإنها تؤدي إلى نتائج عكسية. من هنا فغالبا ما يكون هناك حالة من الذعر أو القلق العام، لذلك يتم تعميم الخطر بشكل تلقائي, من خلال النظر إلى كل موقف على أنه خطر ومقلق. نعم من الطبيعي أن نخاف, فعلينا تقبل ذلك والتوجه نحو سلوكيات الرد المناسب.

العواطف التي تساعد بالحفاظ على السلوك الصحيح   الخوف الشديد في الازمات كثيرا ما يفقدنا الوضوح فيحول دون اتخاذنا إجراءات تستند الى المنطق. لكن جرعات محدودة من الخوف، القلق واليقظة تعتبر ضرورية، وهي كفيله بان نبني خطة دفاعية عن انفسنا، دون فقدان الوضوح. في الواقع،  قد يتطلب اتباع المؤشرات القليلة ولكن الثمينة للسلطات الصحية حدًا مناسبا من التنشيط والتركيز. لكن، علينا ان نفصل بين التنشيط الوظيفي من جهة وبين الإفراط في اليقظة مع السلوكيات غير المجدية. فما الذي تحتاجه لتعلم إدارة المشاعر؟ المطلوب هنا هو فهم "من يتحكم في ماذا"; هل ما زلت أدير وأختار ما أفعله، أو هل أقوم بتنفيذ السلوكيات مع مجموعة من الناس الذين يفعلون بالضبط ما يجب تجنبه عقلانيًا. وهنا اذكر على سبيل المثال لا الحصر، ان تخزين الاغذية   سلوكا نابعا من القلق الشديد وحرصا على الحياه، ولكنه يعتبر هوسا كونه بلا استناد الى المنطق، حيث انه لم يتم نشر وجود مشكلة في احتياطات الغذاء. ولكن هذا "الذهان" انتشر بسرعة، مما أدى إلى آثار سلبية متعددة، مثل تواجد العديد من الأشخاص في أماكن مغلقة، أو اختفاء بعض الاغذية من الاسواق، وارتفاع اسعار البعض الاخر منها. مثال آخر، هو السباق لاقتناء العديد من الأقنعة،

 

 

وهو خيار غير منطقي ولكن عاطفي; النتيجة النهائية، مع الاحترام الكامل لمبدأ النبوءة الذاتية، هي أن الأقنعة انتهت في أيدي الأصحاء وهم أقل حاجة، بينما لم يجد المرضى وهم الأكثر حاجة.

الفيروس التاجي للأطفال والمراهقين (ماذا يقول الوالدين لطفلهم). قل الحقيقة. فالأولاد لا يحتاجون إلى أنباء كاذبة لتطمئنهم، فالمعلومات تأتي الآن من جهات متعددة، فإذا ما اكتشفوا أننا لم نخبرهم بكل شيء، فقد يكونوا أكثر حزنًا. إذا اخترنا ان نكذب، بسبب كون الوضع خطير للغاية بحيث لا يمكن إخبار اطفالنا بتفاصيله، فلنعلم باختصار، ان اخفاء المعلومات يمكن أن يكون تأثيره أسوأ من المرض، حتى لو كان القصد هو حمايتهم بالتأكيد. انصح هنا، ان أخبرهم أيضًا، بان هناك العديد من المتخصصين الأكفاء (الأطباء والممرضات وضباط إنفاذ القانون) الذين يعملون باستمرار, لاستعادة السلامة ومساعدة المرضى، وهناك من الأشخاص الذين اصيبوا بالفيروس الكثير ممن تماثل للشفاء.

حاول ايها الوالد ايضا، تجنب مشاهدة الأخبار بحضرة الاطفال. انه بلا شك بان المعلومات  التي يزودنا بها الاعلام مهمة، وتهدف الى تحفيز إحساسنا بالمسؤولية, من خلال عدم حذف البيانات التي لا تزال تتزايد بشكل كبير بالإصابة. ومع ذلك، نحن على دراية بان الأخبار المأساوية  تضفي جو حزين سوداوي على كل مناحي  الحياه، والذي قد يتطور الى جو ذعر. من المهم هنا،  ان تخبروا الأطفال أنكم ستزودونهم بالمعلومات في كل مرة يطلبونها، لكن دون ان يكونوا شريكين في برامج اخبارية على مدار الساعة .

المشاعر الطبيعية التي تتبع حالات الطوارئ بشكل عام:

1)    الشعور بالعجز وبانعدام الأمن والأمان.

2)    الشعور بانقطاع, أو كسر الاستمرارية وانقطاع الثبات بالحياة, ما بين, قبل الجائحة وبعدها.

3)    الشعور بخيبة الأمل واليأس.

4)    الشعور بالذهول والصدمة.

5)    الشعور بتوتر وضغط نفسي داخلي شديد.

6)    الشعور بالتشويش والغموض,  انهيار المسلمات أو اختلالها.

7)    الشعور بغموض المستقبل وفقد التوازن النفسي.

8)    الشعور بالخوف والقلق معلوم المصدر أو بشكل عام؟

9)    الشعور بغضب وعدائية.

 

 

 

مشاعر من نوع اخر، التدقيق فيها والتعامل معها  من المهم هنا ان ندرك،  أن المشاعر غير المرغوبة هي نوع آخر من المشاعر. كثير منا يرفضها ويغضب لأنه لا يقبل ان يشعر بها. هذا الرد يدخله بدائرة تفاقم وغضب أكبر, فينتهي بالتفريغ المخادع من خلال السلوك الغاضب والعدائي. النصيحة عيش الحزن والقلق والخوف والملل. نعم الحالة محزنة ومقلقة. علينا قبولها وعيشها ومن ثم العمل على إدارتها والتدقيق بها, كي نعدّلها لمستوى مناسب, من خلال عمل نفسي داخلي يتعامل مع الفكر والوجدان والسلوك, بطريقة الانتقاء والتصفية لما هو مناسب وما هو غير مناسب وغير متوافق, فنزيل هذا الاخير. من جهة أخرى علينا التحرك وعمل كل ما هو منصوح جسديا ونفسيا والتفاؤل والتسليم لله.

اخوتي الأفاضل مسؤولون ومهنيون  كلنا نخوض أزمة الفيروس التاجي (كورونا) نتفاعل ونجتهد، ومعه بدأت في أنفسنا مسارات وصيرورات نفسية عدة ولا ندري لأين تنتهي. وجميعا، مسؤولون ومهنيون تقع علينا مسؤولية اكثر من غيرنا, بحكم مسؤولية المهنة . المطلوب منا حسن التدبير وحسن التعامل معها ومع انفسنا  اولا،  وإدارة انفعالنا ووجداننا جيدا, لأننا بطبيعة عملنا نمثل نماذج تبين لكيفية إدارة الازمة نفسيا ولجودة التعامل معها, ومن ثم احسان التدبير بالدائرة الاولى وهي الأسرة والأقرباء, انتهاءا بالدور المهني المسؤول الذي يفيد الآخرين بالتدخل المهني المتخصص وبالنصيحة والتوجيه.  يتحتم علينا كمهنيين بمجال الصحة النفسية, ان نتدخل مع المنتفعين الذين هم بحاجة لهذا التدخل, فمن هنا فإنني اقترح البروتوكول العلاجي (السجل) للتدخل النفسي مع المحجورين او المرضى......

أخي المساعد   عليك ان تلم بمعلومات حديثة ودقيقة من مصادر علمية موثوقة عن فيروس كورونا وعن الوقاية منه, اضافة لإلمامك بما يحصل للنفس البشرية بحالات الطوارئ والصدمات النفسية. يجب أن تكون بجعبتك المعلومة وأن تتزود بالحجة, الامر الذي يضمن ان تطمئن النفوس. من ثم أن تتحلى بالسلوكيات المنصوحة اعتمادا على الخطوات التالية:

1)      أن تكون كامل الحضور، وتام الاصغاء للمنتفع. مع الكثير من الاحترام، التقدير والجدية.

2)      أن تعطي دائما الشرعية لما يقوله الآخر.

3)      إعادة صياغة قول المنتفع بصورة واضحة.

4)      الارتباط مع الآخر بنبرة صوته وتشبيهاته ورموزه.

5)      التطرق إلى المسلمات الإنسانية ومنظومة الإيمان والمعتقدات. فلا يمكن تغيير القضاء والقدر, علينا فقط قبوله.

6)      عليك مساعدة المنتفع أن ينتقل من المحور الفكري إلى التجربة والى المحور الانفعالي والوجداني. القصد هنا الا ينحسر المنتفع فقط بالمجال الفكري، فهذا يعتبر سلوك دفاعي فصامي.

 

 

7)      عليك مساعدة المنتفع للربط بين عنصرين غير متصلين. أي عندما يقول المنتفع امورا تبدو غير متصلة، عليك انت الاهتمام بإيجاد الرابط  بينها،  والاهتمام بإعلاء وعي المنتفع للمشترك بينها.

8)      محاولة ابطال  كل حديث داخلي سلبي . فعلى المساعد التعامل مع الفكر المدمر ومحاولة اسقاطه.

9)   الاهتمام بعدم الدخول بصدام مع الآخر. عليك احتواءه وقبوله على الرغم مما يمكن سماعه او مشاهدته.

         10) قو ودعم كل ما يفعله الآخر. من المهم ان تقوي وتدعم كل ما يفعله الآخر. طبعا ان كان صحيحا صحيا.

11) اسأل المنتفع ماذا يساعدك عادة عندما تمر بحالة صعبة ؟ ماذا فعلت بالسابق وساعدك ؟ هذا بمثابة                                                بحث لإيجاد ما هو مثبت وله فعالية عنده, فانه بالتأكيد مفيد لنفس المنتفع. عليك قياس الامور بالمنطق المهني.

12) الانتهاء دائما بالدعم للآخر.

13) أن تنتهي دائما بمقولات التفاؤل قل "نعم توجد صعوبة ولكننا أقوياء وسنكمل دون شك".  قد مررنا بمصائب أخرى وها نحن مستمرون وموجودون.

المساعد يتدخل مع المنتفع  يجب التنويه هنا،  أن المساعد هو سيد الموقف. ايها المساعد، خذ ما تراه مناسبا مهنيا وأترك ما هو غير مناسب. يمكنك البداية من بند رقم 2 مثلا والاكتفاء بالقول له "شو اللي صار معك ؟".

1)    يقوم الاختصاصي بتلخيص مقتضب عن الفيروس والجائحة. تلخيص التفاصيل بشكل صحيح وواضح عن الجائحة. (شرح دون استفاضة بهدف إزالة الشوائب والإشاعات التي تؤثر سلبيا على نفوس الناس). الفيروس ليس كائن حي. هو كالمدفئة الكهربائية. ان اوصلتها بالكهرباء تعمل وان لم توصلها فلا تعمل. علينا الحرص ان لا نوصلها برئتينا, هكذا لا يعيش. علينا الوقاية لمنعه من الدخول لرئتينا, من خلال وضع الكمامة والقفازات، التنظيف المستمر وغسل الملابس، المحافظة على التباعد الاجتماعي والتعرض للشمس. علينا اكل الخضراوات والفواكه اكثر من اللحوم. تناول العسل, شرب نقيع الاعشاب والسوائل الدافئة بكثرة. يجب الالتزام بكل نصائح الاطباء وتنفيذها. أما من الناحية الدينية فعلينا كمسلمين التسليم "لا يرفع قضاء حتى يرضى به"،  ان اصبنا فأولا علينا التفاؤل بأن الله يرد بنا خيرا, برغم المصاب وأننا لا نستطيع تغيير القدر, بل نرد بقبوله والصبر على البلاء بالاسترجاع وبالقول : "إنا لله وإنا اليه راجعون" " اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها".

2)    إعطاء الفرصة للمنتفع للتعبير عن تجربته، أفكاره، مشاعره وسلوكه التي تبعت الحادثة. على المساعد توجيه المنتفع بواسطة استدراجه بأسئلة, مثل: ماذا فكرت/كيف شعرت؟ ماذا فعلت ؟ ...

 

 

3)    إعطاء الفرصة للتعبير, ومن يصعب عليه التعبير شفهيا, يعطى له الفرصة للكتابة، الرسم ، التشبيه والاستعارة. على المساعد ان يكون صبورا. كن معه بكليتك حتى ولو كانت جلسة صامته.

4)    توجيه المنتفع لاستغلال قدراته بالعمل فيما يمكن أن يعمله من سلوكيات تفيد على الصعيد الجسدي والنفسي.

5)    التنبه للمنتفعين الذين لا يعبرون عن أنفسهم, ممن لا يريدون، او لا يستطيعون.  كذلك من المهم التنبه لأي رد فعل ملفت من قبلهم. (مثلا، تقليلهم من أهمية ما حدث, الضحك بصورة مبالغة......)، هنا ننوه أنه من شدة المحنة فإن المنتفع قد يرد بدفاع منكرا به الاصابة, فهذا يعتبر طبيعيا كرد اولي. هنا يجب على المساعد التوقف والمشاركة بأقوال مثل: "شر البلية ما يضحك"، "بعض المرات نرد هكذا لأننا نرفض ان نصاب ببلية قاسية". وهنا من الضروري التعامل مع المنتفع بجدية.

6)    الاستماع إلى آراء المنتفع واقتراحاته وتشجيعه على ادائها. إعطاء الأهمية لما ذكر والى ما ينوي أن يفعله, والدفع بالاتجاه الإيجابي.

7)    انصح المنتفع بعدم التخلي عن الحياة اليومية والطبيعية (قدر الامكان).

8)    حث ودرّب المنتفع على التفكير الايجابي.

9)    انصح المنتفع بالقيام بنشاط جسدي رياضي بشكل يومي.

10)              اهتم بتدريب المنتفع على طرق الاسترخاء والتنفس الصحيح.

11)              لخص ما تقدم بإيجاز، وأعد السيطرة للمنتفع بانه نعم قادر وبإمكانه ان يقوم برد جيدا قدر الامكان.

12)              دعّم وقوّي نفس المنتفع او المصاب بزرع التفاؤل. مثل أن الحادثة صعبة ولكن نستطيع مواجهة الأحداث الصعبة. قل للمنتفع أنت قادر وقوي وسوف تتغلب على الحادثة، وسوف تتمكن من تفادي أبعادها كذلك.

واخيرا وليس اخيرا، اتمنى الشفاء للمرضى وأن يزول الوباء وشعبنا وبلادنا بكل الخير

د. محمود سعيد

متخصص بعلم النفس التربوي والعيادي والصدمي